غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

101

التفسير : «عن أنس أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثروا المسألة فقام على المنبر فقال : فاسألوني فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي هذا إلا حدثتكم به . فقام عبد الله بن حذافة السهمي وكان يطعن في نسبه فقال : يا نبي الله من أبي ؟ فقال : أبوك حذافة بن قيس وقال سراقة بن مالك - ويروى عكاشة بن محصن - يا رسول الله الحج علينا في كل عام ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ، والله إن قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لتركتم ، ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه . وقام آخر فقال : يا رسول الله أين أبي ؟ فقال : في النار » . ولما اشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم قام عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً . فأنزل الله هذه الآية . فهي عائدة إلى قوله { ما على الرسول إلا البلاغ } كأنه قال : ما آتاكم الرسول فخذوه ولا تخوضوا في غيره فلعله يجيبكم بما شق عليكم . وأيضاً كان المشركون يطالبونه بعد ظهور المعجزات بمعجزات أخر كقوله حاكياً عنهم { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } [ الإسراء : 90 ] إلى تمام الآية . وكان لبعض المسلمين أيضاً ميل إلى ظهورها فمنعوا ذلك لأن طلب الزيادة بعد ثبوت الرسالة من باب التحكم ، ولعلها لو ظهرت ثم أنكرت استحق المنكر العقاب العاجل ، ويحتمل أن يكون وجه النظم قوله { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } [ النور : 29 ] فاتركوا الأمور على ظواهرها ولا تسألوا عن أشياء مخفية إن تبد لكم تسؤكم . وللنحويين في منع صرف أشياء وجوه ، فقال الخليل وسيبويه : أصلها «شياء » على وزن «حمراء » فهو اسم جمع لشيء استثقلوا الهمزتين في آخره فنقلوا الهمزة التي هي لام الفعل إلى أوّل الكلمة فصار وزنه «لفعاء » . وقال الفراء : أصلها «أفعلاء » بناء على أن «شيا » مخفف شيء يقال «هين » في «هين » وقد يجمع «فيعل » على «أفعلاء » كنبي وأنبياء ، لكنهم استثقلوا اجتماع الياء والهمزتين فحذفوا اللام فبقي «أشياء » على وزن «أفعاء » . وقال الكسائي : وزنها «أفعال » ومنع الصرف تشبيهاً له بحمراء . ولا يلزم منه منع صرف «أبناء » و «أسماء » لأن ما ثبت على خلاف الدليل لا يلزم اطراده ولكنه يكون مقصوراً على المسموع . والحاصل أن السؤال عن الأشياء ربما يؤدي إلى ظهور أحوال مكتومة يكره ظهورها وربما ترتب عليه تكاليف شاقة صعبة . فالذي سأل عن أبيه لم يأمن أن يلحق بغير أبيه فيفتضح ، والسائل عن الحج كاد أن يوجبه في كل عام وقد قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أعظّم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته » وكان عبيد بن عمير يقول : إن الله أحل وحرم ، فما أحل فاستحلوه وما حرم فاجتنبوه ، وترك بين ذلك أشياء لم يحللها ولم يحرمها فذلك عفو من الله تعالى فاقبلوه . وقال أبو ثعلبة : إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحدّ حدوداً فلا تعتدوها وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها . ثم لما رتب المساءة على السؤال ذكر أن الإبداء سيكون لأن الوحي غير منقطع فقال { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن } أي في زمان الوحي لأن الرسول بين أظهركم { تبد لكم } تلك الأمور أو التكاليف . فالحاصل أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم وإن أبديت لهم ساءتهم فيلزم من المقدمتين أنهم إن سألوا عنها ساءتهم . وقيل : السؤال قسمان : أحدهما السؤال عن شيء لم يجر ذكره في الكتاب والسنة فنهى عنه بقوله { لا تسألوا } والثاني السؤال عن شيء نزل به القرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي وهذا السؤال غير مذموم فأشار إلى هذا القسم بقوله : { وإن تسألوا } رفعاً للحرج وتميزاً لهذا القسم من الأوّل . وإنما حسن عود الضمير في «عنها » إلى الأشياء وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين ، لأن كلاً منهما مسؤول عنه في الجملة . وقيل : المعنى وإن تسألوا عن تلك السؤالات هل هي جائزة أم لا تبد لكم . والمراد أن تطلب الرخصة في السؤال أولاً ثم يسأل { عفا الله عنها } أي عما سلف من مسألتكم وإغضابكم الرسول فلا تعودوا إليها ، أو المراد بالعفو أنه تعالى ما أظهر عند تلك المسائل ما يشق عليهم من التكاليف . وقيل : إن الجملة صفة أخرى للأشياء كما أن الجملة الشرطية والمعطوف عليها صفة لها . والمعنى لا تسألوا عن أشياء أمسك الله عنها وكف عن ذكرها كما جاء في الحديث «عفوت عن صدقة الخيل والرقيق » أي خفف عنكم بإسقاطها .

/خ120