غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضٖ وَبَلَغۡنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيٓ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (128)

122

ثم لما بين حال من تمسك بالصراط المستقيم أردفها بذكر من تعلق بضده فقال : { ويوم نحشرهم } والمراد واذكر يوم كذا ، أو يوم نحشرهم قلنا ، أو متعلقة محذوف والتقدير : ويوم نحشرهم وقلنا يا معشر الجن كان ما لا يوصف لفظاعته ، والضمير إما أن يعود إلى الشياطين الذين تقدم ذكرهم في قوله : { شياطين الإنس والجن } أو يعود إلى جميع المكلفين الذين علموا أن الله تعالى يبعثهم من الثقلين وغيرهم ، ويكون القائل على تقدير حذف القول هو الله تعالى كما أنه الحاشر لجميعهم . وهذا القول منه تعالى بعد الحشر لا يكون إلا للتبكيت وإنهم وإن تمردوا في الدنيا انتهى حالهم في الآخرة إلى الاستسلام والانقياد والاعتراف . وقال الزجاج : التقدير فيقال لهم : { يا معشر الجن } لأنه يبعد أن يتكلم الله تعالى بنفسه مع الكفار لقوله : { ولا يكلمهم الله } [ البقرة : 174 ] { قد استكثرتم من الإنس } لا بد فيه من إضمار لأن الجن أي الشياطين لا يقدرون على الاستكثار من نفس الإنس ، فالمراد قد استكثرتم من إضلال الإنس واستتباعهم فحشر معكم منهم الجم الغفير كما يقال : استكثر الأمير من الجنود . أما قوله : { وقال أولياؤهم من الإنس } فالأقرب عند بعضهم أن فيه حذفاً فكما قال للجن تبكيتاً ناسب أن يقول للإنس أيضاً مثل ذلك توبيخاً لأنه حصل من الجن الدعاء ومن الإنس القبول . ولما بكت الله كلا الفريقين حكى جواب الإنس وهو قوله : { ربنا استمتع بعضنا ببعض } وفيه قولان : الأول أن المراد استمتع الجن بالإنس والإنس بالجن وعلى هذا ففي الاستمتاع وجهان : أحدهما أن الرجل كان إذا سافر فأمسى بأرض منفرداً وخاف على نفسه قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه . فيبيت آمناً في نفسه . فهذا استمتاع الإنس بالجن ، وأما استمتاع الجن بالإنس فهو أن الإنسي إذا عاذ بالجني كان ذلك تعظيماً منهم للجن ؛ وذلك الجني يقول : قد سدت الجن والإنس لأن الإنسي قد اعترف له بأنه يقدر أن يدفع عنه . وهذا قول الحسن وعكرمة والكلبي وابن جريج ويعضده قوله سبحانه : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } [ الجن : 6 ] وثاني الوجهين أن الإنس كانوا ينقادون للجن ويطيعون حكمهم فصار الجن كالرؤساء والإنس كالأتباع فانتفعوا بالإنس انتفاع الرئيس بالخادم ، وأما انتفاع الإنس بالجن فهو أن دلوهم على الشهوات واللذات إلى أن بلغوا هذا المبلغ الذي أيقنوا أنه يسوء عاقبتهم وهذا اختيار الزجاج . والقول الثاني أن البعضين كليهما من الإنس لأن استمتاع الجن بالإنس وبالعكس أمر قليل نادر { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } أي ذلك الاستمتاع كان حاصلاً إلى وقت محدود ثم جاءت الحسرة والندامة من حيث لا ينفع . وما ذلك الأجل ؟ قيل : هو وقت الموت وعلى هذا فكل من مات من مقتول وغيره فإنه يموت بأجله لأنهم أقروا بأنهم بلغوا أجلهم وفيهم المقتول وغير المقتول . وقيل : هو وقت التخلية والتمكين وقيل : وقت المحاسبة في القيامة { قال } الله تعالى في جوابهم { النار مثواكم } مقامكم ومقرّكم من ثوى بالمكان يثوي ثوياً إذا أقام به . قال أبو علي الفارسي : المثوى اسم للمصدر دون المكان لأن قوله تعالى : { خالدين فيها } حال واسم الموضع لا يعمل عمل الفعل فالمعنى النار أهل أن يقيموا فيها خالدين . { إلا ما شاء الله } قيل : المراد منه أوقات المحاسبة ووقت كونهم في المحشر كأنه قيل : خالدين فيها منذ يبعثون إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم في محاسبتهم . وقال ابن عباس : استثنى الله قوماً سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي صلى الله عليه وآله . وعلى هذا يلزم أن يكون «ما » بمعنى «من » وفيه خلل آخر وهو أن الاستثناء إنما هو من يوم القيامة الذي يحشرون فيه ، وقيل : المراد الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير . روي أنهم يدخلون وادياً فيه برد شديد فهم يطلبون الرد من ذلك البرد الشديد إلى حر الجحيم . وقال في الكشاف : أو يكون هذا من قول الموتور الذي ظفر بواتره ولم يزل يحرق عليه أنيابه وقد طلب إليه أن ينفس عن خناقه أهلكني الله ، إن نفست عنك إلا إذا شئت ، فيكون قوله : «إلا إذا شئت » من أشد الوعيد مع تهكم لأن إطماع محض ويأس كلي . وقال أبو مسلم : هذا الاستثناء غير راجع إلى الخلود وإنما هو راجع إلى الأجل المؤجل لهم كأنهم قالوا : وبلغنا أجلنا الذي سميته لنا إلا من أهلكته قبل الأجل المسمى يعني الآجال الاخترامية { إن ربك حكيم } فيما يفعله من ثواب وعقاب وسائر وجوه المجازاة . { عليم } بما يستأهله كل طائفة فكأنه تعالى يقول : إنما حكمت لهؤلاء بعذاب الأبد لعلمي أنهم يستحقون ذلك .

/خ130