غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ يُطۡعِمُ وَلَا يُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (14)

12

ثم لما كان لزاعم أن يزعم أن الذي يتعالى عن المكان وعن الزمان قد يكون ممكناً في نفسه كالمفارقات التي يثبتها الفلاسفة فلا جرم قال { قل أغير الله أتخذ } منكر الاتخاذ غير الله { ولياً } ولذلك قدم المفعول لكونه أهم ، ولو كان حرف الاستفهام داخلاً على الفعل توجه الإنكار أوّلاً إلى نفس اتخاذ الولي وأنه غير مهم { فاطر السموات } عطف بيان من { الله } أو بدل . وقرئ بالرفع على إضمار هو ، وبالنصب على المدح . وعن ابن عباس : ما عرفت معنى الفاطر حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدأتها . وقال ابن الأنباري : أصل الفطر الشق وقد يكون شق إصلاح كقوله { فاطر السموات والأرض } [ فاطر : 1 ] أي خالقهما ومنشئهما بالتركيب الذي سبيله أن يحصل فيه الشق والتأليف عند ضمه بعض الأشياء إلى بعض . وقد يكون شق إفساد ومنه قوله تعالى { هل ترى من فطور } [ الملك : 3 ] { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] { وهو يطعم ولا يطعم } أي هو الرازق لغيره ولا يرزقه أحد . والرزق والإطعام وإن كانا متغايرين وإلا لم يحسن العطف في قوله { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } [ الذاريات : 57 ] إلا أنهما متقاربان فحسن جعل أحدهما كناية عن الآخر . وقرئ { وهو يطعم } مبنياً للمفعول على أن الضمير لغير الله وقرئ { وهو يطعم ولا يطعم } كلاهما للفاعل . والمعنى هو يطعم تارة ولا يطعم أخرى كقوله { وإنه يقبض ويبسط } [ البقرة : 245 ] أو الثاني بمعنى لا يستطعم . وحاصل الآية أنه يجب شغل القلب كله بالله وقطع العلائق بالكلية عما سواه لأنه الجواد المطلق الذي يهب لا لعوضٍ ولا انتفاع . ثم بيّن أن النبي أيضاً داخل في تكليف المعرفة بل هو أسبق قدماً في ذلك فقال { قل إني أمرت أن أكون أوّل من أسلم } وقيل لي { ولا تكونن من المشركين } وفيه أن الواعظ يجب أن يتعظ أوّلاً بما يقوله ، فالمريض لا يتصور منه العلاج .

/خ24