غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ} (4)

1

ثم ذكر ما في ترك المتابعة من الوعيد فقال : { وكم من قرية } فموضع «كم » رفع بالابتداء و «من » مزيدة للتأكيد والبيان أي كثير من القرى { أهلكناها } مثل زيد ضربته وتقدم النصب أيضاً عربي جيد وفي الآية حذف لا لقرينة الإهلاك فقط فإن القرية تهلك بالهدم والخسف كما يهلك أهلها ولكنه يقال التقدير : وكم من أهل قرية لقوله { فجاءها بأسنا } والبأس بالأهل أنسب ولقوله : { أوهم قائلون } ولأن الزجر والتحذير لا يقع للمكلفين إلا بهلاكهم ولأن معنى البيات والقيلولة لا يصح إلا فيهم . وإنما قال : { فجاءها } رداً بالكلام على اللفظ أو كما يقال الرجال فعلت . وهنا سؤال وهو أن قوله : { فجاءها بأسنا } يقتضي أن يكون الهلاك مقدماً على مجيء البأس ولكن الأمر بالعكس . والعلماء أجابوا بوجوه منها : أن المراد حكمنا بهلاكها أو أردنا أهلاكها فجاءها كقوله : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } [ المائدة : 6 ] ومنها أن معنى الإهلاك ومعنى مجيء البأس واحد فكأنه قيل : وكم من قرية أهلكناها فجاءهم إهلاكنا وهذا كلام صحيح . فإن قيل : كيف يصح والعطف يوجب المغايرة ؟ فالجواب أن الفاء قد تجيء للتفسير كقوله صلى الله عليه وآله «لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ويديه » فإن غسل الوجه واليدين كالتفسير لوضع الطهور مواضعه فكذا هاهنا مجيء البأس جار مجرى التفسير للإهلاك لأن الإهلاك قد يكون بالموت المعتاد وقد يكون بتسليط البأس والبلاء عليهم وقريب منه قول الفراء : لا يبعد أن يقال البأس والهلاك يقعان معاً كما يقال : أعطيتني فأحسنت . وما كان الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله وإنما وقعا معاً . ومنها أن ذلك محمول على حذف المعطوف والتقدير : أهلكناهم فحكم بمجيء البأس لأن الإهلاك أمارة للحكم بوصول مجيء البأس . ومنها أنه من باب القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس كقوله : عرضت الناقة على الحوض . وقوله { بياتاً } قال الجوهري : بيت العدوّ أي أوقع بهم ليلاً والاسم البيات . وفي الكشاف أنه مصدر بات الرجل بياتاً حسناً . وعلى القولين فإنه وقع موضع الحال بمعنى بائتين أو مبيتين . ثم قال : { أو هم قائلون } والجملة حال معطوفة على { بياتاً } كأنه قيل : فجاءها بأسنا مبيتين أو بائتين أو قائلين . وإنما حسن ترك الواو هاهنا من الجملة الاسمية الواقعة حالاً لأن واو الحال قريب من واو العطف لأنها استعيرت منها للوصل فالجمع بين حرف العطف وبينه جمع بين المثلين وذلك مستثقل . فقولك : جائني زيد راجلاً أو هو فارس . كلام فصيح ، ولو قلت : جاءني زيد هو فارس كان ضعيفاً . وقال بعض النحويين : الواو محذوفة مقدرة ورده الزجاج لما قلنا . أما معنى القيلولة فالمشهور أنها نومة الظهيرة . وقال الأزهري : هي الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن نوم لقوله تعالى : { أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } [ الفرقان : 24 ] والجنة لا نوم فيها وإنما خص وقتا البيات والقيلولة لأنهما وقتا الغفلة والدعة فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع . وكأنه قيل للكفار لا تغتروا بالفراغ والرفاه والأمن والسكون فإن عذاب الله إنما يجيء دفعة من غير سبق أمارة .

أيا راقد الليل مسوراً بأوّله *** إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

فقوم لوط أهلكوا وقت السحر ، وقوم شعيب وقت القيلولة .

/خ10