غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ} (25)

1

{ تظن أن يفعل بها فاقرة } فعل هو في شدته وفظاعته فاقرة أي داهية تقصم فقار الظهر كما توقعت الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير . قال الأصمعي : الفقر أن يحز أنف البعير حتى يخلص إلى العظم أو يقرب منه ثم يجعل فيه خشبة يجر بها البعير ، ومنه قيل : عملت به الفاقرة . وقال الكلبي : هي أن تحجب عن رؤية ربها فلا تنظر إليه . وأعلم أن أهل السنة استدلوا بالآية على إمكان رؤية الله تعالى في الآخرة بل على وجوبها بحكم الوعد وحاصل كلامهم أن النظر إن كان بمعنى الرؤية فهو المطلوب ، وإن كان بمعنى تقليب الحدقة نحو المرئي فهذا في حقه تعالى محال لأنه منزه عن الجهة والمكان فوجب حمله على مسببه وهو الرؤية وهذا مجاز مشهور وأما المعتزلة فزعموا أن النظر المقرون ب " إلى " إنما يراد به تقليب الحدقة نحو المرئي التماساً للرؤية فقد تحصل الرؤية وقد لا تحصل كما قال سبحانه { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } ويقال : دور فلان متناظرة أي متقابلة ولا ريب أن تقليب الحدقة نحو الشيء يستدعي جهة لذلك الشيء وهذا في حق الله تعالى محال فوجب حمل النظر على الانتظار أي منتظرة ثواب ربها كقولك : أنا ناظر إلى فلان ما يصنع فيّ . والانتظار إذا كان في شيء متيقن الوقوع لا يوجب الغم والحزن بل يزيد اللذة والفرح . واعترض بأن النظر إذا كان بمعنى الانتظار لا يعدّى ب " إلى " كقوله { أنظرونا نقتبس من نوركم }

[ الحديد :13 ]

{ وهل ينظرون إلى تأويله } [ الأعراف :53 ] وأجيب بأن ذلك إنما يكون إذا كان منتظراً للشخص ، أما إذا كان منتظراً لرفده ومعونته فإنه يستعمل مقروناً بإلى كقول الرجل : إنما نظري إلى الله ثم إليك . وقد يقول الأعمى : عيني ناظرة إليك . سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون " إلى " واحد الآلاء أي نعمة ربها منتظرة ، وتقديم المفعول لأجل الفاصلة أو للاختصاص أي لا ينتظرون إلا إلى نعمة الله ورحمته ، قال في الكشاف : وهذا المعنى أعني إفادة الاختصاص أحد الدلائل الدالة ، على أن النظر هاهنا ليس بمعنى تقليب الحدقة ولا بمعنى الرؤية لأنهم ينظرون إلى أشياء ويرون أشياء لا تدخل تحت الحصر فلا بد من حمل النظر على معنى يصح معه الاختصاص وهو التوقع والرجاء .

/خ40