مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40)

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله } إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد ، فدل بقوله { فَقَدْ نَصَرَهُ الله } على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت { إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ } أسند الإخراج إلى الكفار لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه { ثَانِيَ اثنين } أحد اثنين كقوله { ثالث ثلاثة } وهما رسول الله وأبو بكر ، وانتصابه على الحال { إِذْ هُمَا } بدل من { إِذْ أَخْرَجَهُ } { فِي الغار } هو نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثاً فيه ثلاثاً { إِذْ يَقُولُ } بدل ثانٍ { لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا } بالنصرة والحفظ . قيل : طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن تصب اليوم ذهب دين الله فقال عليه السلام :

« ما ظنك باثنين الله ثالثهما » وقيل : لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم أعم أبصارهم » فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد أخذ الله بأبصارهم عنه وقالوا : من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله وليس ذلك لسائر الصحابة { فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ } ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون إليه { عَلَيْهِ } على النبي صلى الله عليه وسلم أو على أبي بكر لأنه كان يخاف وكان عليه السلام ساكن القلب { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } هم الملائكة صرفوا وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه ، أو أيده بالملائكة يوم بدر والأحزاب وحنين { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ } أي دعوتهم إلى الكفر { السفلى وَكَلِمَةُ الله } دعوته إلى الإسلام { هِىَ } فصل { العليا } { وَكَلِمَةُ الله } بالنصب : يعقوب بالعطف ، والرفع على الاستئناف أوجه إذ هي كانت ولم تزل عالية { والله عَزِيزٌ } يعز بنصره أهل كلمته { حَكِيمٌ } يذل أهل الشرك بحكمته .