{ إلا تنصروه فقد نصره الله } أي إن تركتم نصره فالله متكفل به أعنتموه أو لا فقد نصره في مواطن القلة وأظهره على عدوه بالغلبة والقهر أو فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد { إذ أخرجه الذين كفروا } أي وقت إخراجهم إياه حال كونه { ثاني اثنين } وقرئ بسكون الياء على لغة من يجري الناقص مجرى المقصور في الإعراب أي أحد اثنين وهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه من غير اعتبار كونه صلى الله عليه وآله وسلم ثانيا فإن معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع أربعة ونحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة ، ولذلك منع الجمهور أن ينصب ما بعده بأن يقال ثالث ثلاثة ورابع أربعة .
{ إذ هما في الغار } هو ثقب عظيم في الجبل المسمى ثورا ، وهو المشهور بغار ثور وهو جبل قريب من مكة وبينهما مسيرة ساعة ويجمع على غيران ، والغار أيضا نبت طيب والجماعة والغاران البطن والفرج ، وألف الغار منقلبة عن واو ، وقصة خروجه صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ودخولهما الغار ومكثهما فيه ثلاثا مشهورة مذكورة في كتب السيرة والحديث ، وسياق حديث الهجرة من أفراد البخاري وهو طويل جدا .
{ إذ يقول لصاحبه } أي وقت قوله لأبي بكر { لا تحزن } أي دع الحزن { إن الله } بنصره وعونه وتأييده وعصمته وحفظه وولايته ومعونته وتسديده { معنا } والمراد بالمعية المعية الدائمة التي لا تحوم حول صاحبها شائبة شيء من الحزن ، وما هو المشهور من اختصاص " مع " بالمتبوع فالمراد بما فيه من المتبوعية هو المتبوعية في الأمر المباشر ، قاله أبو السعود ، وقال الخفاجي : أنها معية مخصوصة وإلا فهو مع كل أحد اه .
والمعنى من كان الله معه فلن يغلب ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن وذلك أن أبا بكر خاف من الطلب{[895]} أن يعلموا بمكانهم ، فجزع من ذلك وكان حزنه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا على نفسه وقال : إذا أنا مت فأنا رجل واحد وإذا مت أنت هلكت الأمة والدين .
أخرج الشيخان عنه رضي الله عنه قال : نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال : ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) {[896]} وزاد البزار والطبراني والبيهقي في الدلائل عن أنس والمغيرة بن شعبة فأعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه .
قال النووي : هو داخل في قوله سبحانه : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى في هذا المقام وفيه فضيلة لأبي بكر وهي من أجل مناقبه ، وقال الشعبي : عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر .
وقال الحسن بن الفضل : من قال أن أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر لإنكاره نص القرآن ، وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي بكر : أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار{[897]} ، أخرجه الترمذي ، وقال حديث صحيح حسن غريب ، وعبارة أبي السعود وفيه من الدلالة على علو طبقة الصديق رضي الله تعالى عنه وسابقة صحبته ما لا يخفى اه .
وفي الكشاف : وقالوا من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله ، وليس ذلك لسائر الصحابة ، وقيل أنه ليس بمنصوص عليه فيها بل المنصوص عليه أن له ثانيا هو صاحبه فيه ، فإنكار ذلك يكون كفرا لا إنكار صحبته بخصوصه ، ولذا قال قالوا فجعل العهدة فيه على غيره ، وفيه نظر ، قاله الخفاجي ، وقد استنبط أهل العلم من هذه الآية وجوها كثيرة على فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه يطول ذكرها .
{ فأنزل الله سكينته } هي تسكين جأشه وتأمينه حتى ذهب روعه وحصل له الأمن على أن الضمير في { عليه } لأبي بكر ، وبه قال ابن عباس وأكثر المفسرين ، وقيل هو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له .
ويؤيد كون الضمير في { عليه } للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الضمير في { وأيده بجنود لم تروها } فإنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه المؤيد بهذه الجنود التي هي الملائكة في الغار يحرسونه ويسكنون روعه ويصرفون أبصار الكفار عنه كما كان في يوم بدر ، وقيل إنه لا محذور في رجوع الضمير من { عليه } إلى أبي بكر ، ومن { وأيده } إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك كثير في القرآن وفي كلام العرب .
{ وجعل كلمة الذين كفروا } أي كلمة الشرك وهي دعوتهم إليه ونداؤهم للأصنام أو كل ما يدل على الشرك أو المراد بها عقيدة الشرك أي الكفر مطلقا بسائر أنواعه ، أقوال للمفسرين { السفلى } المغلوبة إلى يوم القيامة { وكلمة الله هي العليا } في ضمير الفصل أعني هي تأكيد لفضل كلمته في العلو ، وأنها المختصة به دون غيرها ، والمراد بها كلمة التوحيد والدعوة إلى الإسلام ، فهي ظاهرة غالبة باقية إلى يوم القيامة عالية { والله عزيز حكيم } أي غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.