فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40)

قوله : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله } أي : إن تركتم نصره فالله متكفل به ، فقد نصره في مواطن القلة ، وأظهره على عدوه بالغلبة والقهر ، أو فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد وقت إخراج الذين كفروا له حال كونه { ثَانِيَ اثنين } أي : أحد اثنين ، وهما : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه . وقرئ بسكون الياء . قال ابن جني : حكاها أبو عمرو بن العلاء ، ووجهها أن تسكن الياء تشبيهاً لها بالألف . قال ابن عطية : فهي كقراءة الحسن { ما بقي من الربا } ، وكقول جرير :

هو الخليفة فارضوا ما رضيه لكم *** ماضي العزيمة ما في حكمه جنف

قوله : { إِذْ هُمَا فِي الغار } بدل من { إِذْ أَخْرَجَهُ } بدل بعض ، والغار : ثقب في الجبل المسمى ثوراً ، وهو : المشهور بغار ثور ، وهو : جبل قريب من مكة ، وقصة خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ودخولهما الغار مشهورة مذكورة في كتب السير والحديث . قوله : { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ } بدل ثان : أي وقت قوله لأبي بكر : { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا } أي : دع الحزن ، فإن الله بنصره وعونه وتأييده معنا ، ومن كان الله معه فلن يغلب ، ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن . قوله : { فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } السكينة : تسكين جأشه وتأمينه حتى ذهب روعه ، وحصل له الأمن ، على أن الضمير في { عَلَيْهِ } لأبي بكر . وقيل : هو للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له ، ويؤيد كون الضمير في { عَلَيْهِ } للنبي صلى الله عليه وسلم الضمير في { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } فإنه للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه المؤيد بهذه الجنود التي هي الملائكة ، كما كان في يوم بدر . وقيل : إنه لا محذور في رجوع الضمير من { عَلَيْهِ } إلى أبي بكر ، ومن { وَأَيَّدَهُ } إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك كثير في القرآن ، وفي كلام العرب { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى } أي : كلمة الشرك ، وهي دعوتهم إليه ونداؤهم للأصنام { وَكَلِمَةُ الله هِيَ العليا } قرأ الأعمش ، ويعقوب بنصب «كلمة » حملاً على { جعل } ، وقرأ الباقون برفعها على الاستئناف . وقد ضعف قراءة النصب الفراء ، وأبو حاتم ، وفي ضمير الفصل ، أعني { هِيَ } تأكيد لفضل كلمته في العلوّ ، وأنها المختصة به دون غيرها ، وكلمة الله هي كلمة التوحيد ، والدعوة إلى الإسلام { والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ } أي : غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب .

/خ42