وقوله تعالى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) يقول : إن لم تنصروا رسول الله ، فالله ينصره على [ ما ][ من م ، ساقطة من الأصل ] نصره في الوقت الذي كان في الغار لم يكن معه أحد من البشر إلا واحد ، فإن لم تنصروه فالله كافيه في النصر [ على ما كفاه ، ونصره ][ من م ، ساقطة من الأصل ] في الحال التي لم يكن معه بشر إلا واحد . فاليوم ، ألا ينصره ومعه من الأنصار والأعوان ما لا يحصى ؟ وكان ما استنفرهم رسول الله ، وأمرهم بالخروج إلى العدو ، ولم يكن يستنفرهم لمكان نفسه ؛ إذ يعلم أن الله كافيه في نصره ، ولكن إنما يستنفرهم[ في الأصل وم : يستنفر ] ، ويأمرهم لمكان أنفسهم ليكتسبوا قربا وثوابا عند الله وزلفى .
ألا ترى أنه قال : ( إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) وقال : ( ولا تضره شيئا ) ؟ [ التوبة : 39 ] أي إن لم تنفروا ، ولم تنصروا رسول الله ، فلا تضروه شيئا ، إذ الله كافيه في نصره ، وإنما غايتهم بترك النفر والخروج ليركنوا إلى الدنيا ، وحبهم إياها هو الذي منعهم عن اتباع محمد ، وهو الذي حملهم على الكفر بالله والتكذيب لرسوله وترك الإجابة له في ما يدعوهم إليه .
فيقول ، والله أعلمن للمؤمنين : لا تركنوا إلى الدنيا ، ولا ترضوا بها عن الآخرة ليمنعكم ذلك عن النفر والخروج إلى ما يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما منع أولئك الكفرة على ما ذكرنا .
وأصله : أنه إنما استنصرهم لا لحاجة له إلى نصرهم ؛ إذ هو قادر أن ينصر رسوله بما شاء ، لكن طلب منهم النصر له ليكتسبوا بذلك ثوابا لأنفسهم وما ذكر في الأجل . كذلك ما طلب منهم الشكر له على نعمه لحاجة له في ذلك ، ولكن ليستديموا النعمة ، ويصلوا إلى الباقية الدائمة .
وقوله تعالى : ( إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) واضطروه إلى الخروج حين هموا بقتله حتى خرج من بين أظهرهم .
وقوله تعالى : ( ثاني اثنين ) أي لم يكن معه من البشر إلا واحد ليعلموا أن النصر لم يكن بأحد من البشر ، إنما كان بالله تعالى ؛ إذ بالواحد لا تكون النصرة والحفظ من ألوف أو بذكر فضل أبي بكر ، وكان هو ثانيه في كل أمره .
وقوله تعالى : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ) لم يكن حُزن أبي بكر على نفسه ، ولكن إشفاقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصاب وكذلك روي في الخبر أنه قال لرسول الله إنك إن تصب يذهب دين الله ، ولن يُعبد الله على وجه الأرض .
وفي بعض الأخبار أن أبا بكر كان يبكي إشفاقا على رسول الله ، فقال له رسول الله : ما يبكيك ؟ فقال ما ذكرنا ، فقال له : يا أبا بكر : «ما ظنك باثنين ، ثالثهما الله ؟ » [ البخاري4663 ] .
وقيل : إنهما [ لما ][ ساقطة من الأصل وم ] أتيا باب الغار ، سبق أبو بكر ، فدخل الغار ، وكان الغار معروفا بالهوام ، فألقمها أبو بكر قدميه ، فأطال ذلك ، فقال : إن كان فيه شيء بدا [ نادني ، أو كلاما ][ في الأصل وم : لي أو كلام ] نحو هذا ، والله أعلم .
[ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] تعالى : ( إن الله معنا ) ليس بنهي عن الحزن ، ولكن على تخفيف الأمر عليه ، وتيسير الحال التي هو عليها .
وقوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) قيل : أنزل سكينته على أبي بكر حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ظنك باثنين ثالثهما الله ؟ » حتى سكن قلب أبي بكر من الحزن والخوف على رسول الله .
وقال بعضهم : أنزل السكينة[ على رسول الله ؛ فهو يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه أنزل السكينة عليه ][ من م ، ساقطة من الأصل ] حتى رأى هو جنودا لم يروها هم حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) .
والثاني : [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] أنزل سكينته بالحجج والبراهين .
لكنه إن كان ما ذكر فهو قد أنزل السكينة عليه في البدء ، ولأنه كان رسول الله ، لا يخاف سوى الله ، ويعلم أنه ينصره .
وكذلك رُوي عن ابن عباس [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : فأنزل سكينته على أبي بكر لأن النبي لم تزل السكينة معه ، وهو أشبه .
وقوله تعالى : ( وأيده بجنود لم تروها ) يحتمل في ذلك الوقت ، ويحتمل في الغزوات التي نصره بالملائكة يوم بدر وغيره ؛ يخبر أنه قادر أن ينصره لا بالسر ليعلموا أنه إنما يأمرهم بالنفر لا لنصر رسول الله ، ولكن ليكتسبوا بذلك ما ذكرنا من الثواب .
وقوله تعالى : ( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) أي مكر الله بهم[ ساقطة من م ] ونصرة رسوله هي العليا كقوله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) الآية[ الأنفال : 30 ] ويحتمل قوله : ( كلمة الذين كفروا ) دينهم الذي يدينون به ومذهبهم الذي ينتحلونه ( السفلى ) أي جعل تلك السفلى بالحجج ، وجعل دين محمد ( هي العليا ) بالحجج والبراهين على ذلك على ما كان .
ويحتمل قوله ( كلمة الذين كفروا السفلى ) أي جعل أهل كلمة[ في الأصل وم : الكلمة ] ( الذين كفروا ) هم السفلة[ في الأصل وم : السفلى ] وأهل دين الله هم الأعلون كقوله : ( وأنتم الأعلون )[ آل عمران : 139 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.