محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الكهف :

ويقال لها سورة أصحاب الكهف . قال المهايمي : سميت بها لاشتمالها على قصة أصحابه الجامعة فوائد الإيمان بالله ، من الأمن الكلي عن الأعداء ، والإغماء الكلي عن الأشياء والكرامات العجيبة ، وهذا من أعظم مقاصد القرآن . وهي مكية ، وقيل ، إلا أولها إلى قوله : { جزرا } وقوله { واصبر نفسك . . . } الآية و { إن الذين آمنوا } إلى آخر السورة . واختار الداني أنها مكية كلها . وآيها مائة وعشرة ، وقد روي في فضلها أحاديث كثيرة ، ساقها الحافظ ابن كثير وغيره .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ( 1 ) }

( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) قدمنا أن كثيرا ما تفتح السور وتختم بالحمد ، إشارة إلى أنه المحمود على كل حال { له الحمد في الأولى والآخرة } وتعليما للعباد أدب افتتاح كل أمر ذي بال واختتامه . وذلك بالثناء على الله تبارك وتعالى بنعمه العظمى ومننه الكبرى ، وفي إيثار إنزال التنزيل من بين سائر نعوته العلية ، تنبيه على أنه أعظم نعمائه . فإنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد ، والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد . ولا شيء في معناه يماثله . وفي ذكر الرسول بعنوان العبودية ، تنبيه على عظمة المنزل والمنزل عليه . كما تدل عليه الإضافة الاختصاصية ، كما تقدم في سورة الإسراء . وإشعار بأن شأن الرسول أن يكون عبدا للمرسل لا كما زعمت النصارى في حق عيسى عليه السلام . وتعريف الكتاب للعهد . أي الكتاب الكامل الغني عن الوصف بالكمال ، المعروف بذلك من بين الكتب ، الحقيق باختصاص اسم الكتاب به . وهو عبارة عن جميع القرآن . أو عن جميع المنزل حينئذ . وتأخيره عن الجار والمجرور ، مع أن حقه التقديم عليه ، ليتصل به قوله سبحانه : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } أي شيئا من العوج باختلال في نظمه وتناف في معانيه . أو زيغ وانحراف عن الدعوة إلى الحق . بل جعله مزيلا للعوج ؛ إذ جعله :

{ قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ( 2 ) }

{ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ( 3 ) } .