محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (155)

/ { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين 155 } .

وقوله تعالى : { ولنبلونّكم بشيء } خطاب لمن آمن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، خصّوا به ، وإن شمل من ماثلهم ، لأنهم المباشرون للدعوة والجهاد ، ومكافحة الفجّار . وكل قائم بحق ، وداع إليه ، معرّض للابتلاء بما ذكر ، كله أو بعضه . والتنوين للتقليل . أي : بقليل من كل واحد من هذه البلايا وطرف منه . وإنما قلّل ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان ، وإن جل ، ففوقه ما يقل إليه . وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم . وإنما أخبر به قبل الوقوع ، ليوطّنوا عليه نفوسهم ، ويزداد يقينهم ، عند مشاهدتهم له حسبما أخبر به . وليعلموا أنه شيء يسير ، له عاقبة حميدة { من الخوف } أي خوف العدو والإرجاف به { والجوع } أي الفقر ، للشغل بالجهاد ، أو فقد الزاد ، إذا كنتم في سرية تجاهدون في سبيل الله . وقد كان يتفق لهم ذلك أياما يتبلغون فيها بتمرة { ونقص من الأموال } أي لانقطاعهم بالجهاد عن عمارة بساتينهم ، أو لافتقاد بعضها بسبب الهجرة ، وترك شيء منه في البلدة المهاجر منها { والأنفس } بقتلها شهيدة في سبيل الله ، أو ذهاب أطرافها فيه { والثمرات } أي بأن لا تغلّ الحدائق كعادتها ، للغيبة عنها في سبيل الله ، وفقد من يتعاهدها ، وخصت بالذكر لأنها أعظم أموال الأنصار الذين هم أخص الناس بهذا الذكر ، لاسيما في وقت نزول هذه الآيات . وهو أول زمان الهجرة . فكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده كما قال : / { ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } {[888]} . قال الراغب : هذه الآية مشتملة على محن الدنيا كلها : أي إذا نظر إلى عموم كل فرد مما ذكر فيها ، وقطع النظر عن خصوص حال المخاطبين فيها ، بما يدل عليه سابقه .


[888]:[47/ محمد/ 31] ونصها: {ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم 31}.