غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (50)

49

قوله { وإذ فرقنا } نعمة أخرى في نعمة أي فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه سالك لكم على عدد الأسباط وكانوا اثني عشر . ومعنى بكم أنهم كانوا يسلكونه ويتفرق الماء كما يفرق بين الشيئين بما يوسط بينهما ، أو يراد فرقناه بسبب إنجائكم ، أو يكون حالاً أي ملتبساً بكم . روي أنه تعالى لما أراد غرق فرعون والقبط وبلغ بهم الحال في معلوم الله تعالى أنه لا يؤمن أحد منهم ، أمر موسى بني إسرائيل أن يستعيروا حلي القبط ، إما ليخرجوا خلفهم لأجل المال ، وإما لتبقى أموالهم في أيديهم . ثم نزل جبريل وقال : أخرج ليلاً كما قال تعالى { وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي }

[ الشعراء : 52 ] وكانوا ستمائة ألف ، وكل سبط خمسون ألفاً . فلما خرجوا وبلغ الخبر فرعون قال : لا تتبعوهم حتى يصيح الديك . قال الراوي : فوالله ما صاح الليلة ديك . فلما أصبحوا دعا فرعون بشاة فذبحت ثم قال : لا أفرغ من تناول كبد هذه الشاة حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط . قال قتادة : فاجتمع إليه ألف ألف ومائتا ألف ، كل واحدٍ منهم على فرس حصان فتبعوهم نهاراً وهو قوله { فاتبعوهم مشرقين } [ الشعراء : 60 ] أي بعد طلوع الشمس . فلما سار بهم موسى إلى البحر قال له يوشع : أين أمرك ربك ؟ فقال له موسى : إلى أمامك . وأشار إلى البحر - فأقحم يوشع فرسه في البحر وكان يمشي في الماء حتى بلغ الغمر ، فسبح الفرس وهو عليه ، ثم رجع وقال له يا موسى : أين أمرك ربك ؟ فقال : البحر . فقال : والله ما كذبت وما كذب . ففعل ذلك ثلاث مرات فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر ، فانشق البحر اثني عشر طريقاً . فقال له : ادخل ، وكان فيه وحل فهب الصبا نحو البحر حتى صار طريقاً يبساً ، فاتخذ كل سبط منهم طريقاً ودخلوا فيه ، فقالوا لنبيهم : أين أصحابنا لا نراهم ؟ فقال موسى : سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم . قالوا : لا نرضى حتى نراهم . فقال : اللهم أعني على أخلاقهم السيئة . فأوحى إليه أن قل بعصاك هكذا ، فقال بها على حيطان المياه فصارت فيها كوى فتراءوا وتسامعوا كلامهم . ثم اتبعهم فرعون فلما بلغ شاطئ البحر رأى إبليس واقفاً فنهاه عن الدخول فهمّ بأن لا يدخل البحر ، فجاء جبريل على مهرة فتقدم وهو كان على فحل ، فتبعه فرس فرعون ودخل البحر ، فصاح ميكائيل بهم ألحقوا آخركم بأوّلكم ، فلما دخلوا البحر بالكلية أمر الله تعالى الماء حتى نزل عليهم فذلك قوله تعالى { وأغرقنا آل فرعون } قيل : ذلك اليوم كان يوم عاشوراء ، فصام موسى عليه السلام ذلك اليوم شكراً لله تعالى ، ومعنى قوله { وأنتم تنظرون } أنكم ترون التطام أمواج البحر بفرعون وقومه . وقيل : إن قوم موسى سألوا أن يريهم الله تعالى حالهم ، فسأل موسى ربه فلفظهم البحر ألف ألف ومائة ألف نفس فنظروا إليهم طافين . وقيل : المراد وأنتم بالقرب منهم . قال الفراء : وهو مثل قولك " لقد ضربتك وأهلك ينظرون إليك فما أغاثوك " تقول ذلك إذا قرب أهله منه وإن كانوا لا يرونه ومعناه راجع إلى العلم . قال أهل الإشارة : البحر هو الدنيا ، وماؤه شهواتها ولذاتها ، وموسى القلب ، وقومه صفات القلب ، وفرعون النفس الأمارة ، وقومه صفات النفس ، والعصا عصا الذكر ، فينفلق بحر الدنيا بتفليق لا إله إلا الله ، وينشبك ماء شهواته يميناً وشمالاً ، ويرسل الله تعالى ريح العناية وشمس الهداية على قعر بحر الدنيا فيصير يابساً من ماء الشهوات ، فيخوض موسى القلب وصفاته فيعبرونه وتنجيهم عناية الله إلى ساحل { وإن إلى ربك المنتهى } [ النجم : 42 ] ويغرق فرعون النفس وقومه والله تعالى أعلم .