قوله { وإذ فرقنا } نعمة أخرى في نعمة أي فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه سالك لكم على عدد الأسباط وكانوا اثني عشر . ومعنى بكم أنهم كانوا يسلكونه ويتفرق الماء كما يفرق بين الشيئين بما يوسط بينهما ، أو يراد فرقناه بسبب إنجائكم ، أو يكون حالاً أي ملتبساً بكم . روي أنه تعالى لما أراد غرق فرعون والقبط وبلغ بهم الحال في معلوم الله تعالى أنه لا يؤمن أحد منهم ، أمر موسى بني إسرائيل أن يستعيروا حلي القبط ، إما ليخرجوا خلفهم لأجل المال ، وإما لتبقى أموالهم في أيديهم . ثم نزل جبريل وقال : أخرج ليلاً كما قال تعالى { وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي }
[ الشعراء : 52 ] وكانوا ستمائة ألف ، وكل سبط خمسون ألفاً . فلما خرجوا وبلغ الخبر فرعون قال : لا تتبعوهم حتى يصيح الديك . قال الراوي : فوالله ما صاح الليلة ديك . فلما أصبحوا دعا فرعون بشاة فذبحت ثم قال : لا أفرغ من تناول كبد هذه الشاة حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط . قال قتادة : فاجتمع إليه ألف ألف ومائتا ألف ، كل واحدٍ منهم على فرس حصان فتبعوهم نهاراً وهو قوله { فاتبعوهم مشرقين } [ الشعراء : 60 ] أي بعد طلوع الشمس . فلما سار بهم موسى إلى البحر قال له يوشع : أين أمرك ربك ؟ فقال له موسى : إلى أمامك . وأشار إلى البحر - فأقحم يوشع فرسه في البحر وكان يمشي في الماء حتى بلغ الغمر ، فسبح الفرس وهو عليه ، ثم رجع وقال له يا موسى : أين أمرك ربك ؟ فقال : البحر . فقال : والله ما كذبت وما كذب . ففعل ذلك ثلاث مرات فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر ، فانشق البحر اثني عشر طريقاً . فقال له : ادخل ، وكان فيه وحل فهب الصبا نحو البحر حتى صار طريقاً يبساً ، فاتخذ كل سبط منهم طريقاً ودخلوا فيه ، فقالوا لنبيهم : أين أصحابنا لا نراهم ؟ فقال موسى : سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم . قالوا : لا نرضى حتى نراهم . فقال : اللهم أعني على أخلاقهم السيئة . فأوحى إليه أن قل بعصاك هكذا ، فقال بها على حيطان المياه فصارت فيها كوى فتراءوا وتسامعوا كلامهم . ثم اتبعهم فرعون فلما بلغ شاطئ البحر رأى إبليس واقفاً فنهاه عن الدخول فهمّ بأن لا يدخل البحر ، فجاء جبريل على مهرة فتقدم وهو كان على فحل ، فتبعه فرس فرعون ودخل البحر ، فصاح ميكائيل بهم ألحقوا آخركم بأوّلكم ، فلما دخلوا البحر بالكلية أمر الله تعالى الماء حتى نزل عليهم فذلك قوله تعالى { وأغرقنا آل فرعون } قيل : ذلك اليوم كان يوم عاشوراء ، فصام موسى عليه السلام ذلك اليوم شكراً لله تعالى ، ومعنى قوله { وأنتم تنظرون } أنكم ترون التطام أمواج البحر بفرعون وقومه . وقيل : إن قوم موسى سألوا أن يريهم الله تعالى حالهم ، فسأل موسى ربه فلفظهم البحر ألف ألف ومائة ألف نفس فنظروا إليهم طافين . وقيل : المراد وأنتم بالقرب منهم . قال الفراء : وهو مثل قولك " لقد ضربتك وأهلك ينظرون إليك فما أغاثوك " تقول ذلك إذا قرب أهله منه وإن كانوا لا يرونه ومعناه راجع إلى العلم . قال أهل الإشارة : البحر هو الدنيا ، وماؤه شهواتها ولذاتها ، وموسى القلب ، وقومه صفات القلب ، وفرعون النفس الأمارة ، وقومه صفات النفس ، والعصا عصا الذكر ، فينفلق بحر الدنيا بتفليق لا إله إلا الله ، وينشبك ماء شهواته يميناً وشمالاً ، ويرسل الله تعالى ريح العناية وشمس الهداية على قعر بحر الدنيا فيصير يابساً من ماء الشهوات ، فيخوض موسى القلب وصفاته فيعبرونه وتنجيهم عناية الله إلى ساحل { وإن إلى ربك المنتهى } [ النجم : 42 ] ويغرق فرعون النفس وقومه والله تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.