فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (50)

{ وإذ فرقنا بكم البحر } أي فلقنا ، وأصل الفلق الفرق والفصل ، ومنه فرق الشعر ، ومنه { وقرآنا فرقناه } أي فصلناه ، والباء في { بكم } بمعنى اللام أو السببية والمراد أن فرق البحر كان بسبب دخولهم فيه لما صاروا بين المائين صار الفرق بهم ، وأصل البحر في اللغة الاتساع أطلق على البحر الذي هو مقابل البر لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج ويطلق على الماء المالح ، وقال السيوطي في مفحمات الأقران البحر هو القلزم وكنيته أبو خالد كما روي عن قيس ابن عباد ، قال ابن عساكر كأنه بذلك لطول بقائه ، وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء ) انتهى .

{ فأنجيناكم } أي أخرجناكم منه .

{ وأغرقنا آل فرعون } فيه ، ووافق ذلك يوم عاشوراء فصام موسى ذلك اليوم شكرا لله عز وجل ، والمراد بآل فرعون هنا هو وقومه وأتباعه ، والغرق الرسوب في الماء وتجوز به عن المداخلة في الشيء ، تقول غرق فلان في اللهو فهو غرق ، قاله السمين .

{ وأنتم تنظرون } يعني إلى هلاكهم ، وقيل إلى مصارعهم أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصارهم أو المعنى ينظر بعضكم إلى بعض آخر من السالكين في البحر ، وقيل نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون ، قيل أن البحر قذفهم حتى نظروا إليهم .

وهذه الواقعة كما أنها لموسى معجزة عظيمة تخر لها أطم الجبال ، ونعمة عظيمة لأوائل بني إسرائيل موجبة عليهم شكرها باللسان والبال ، وكذلك اقتصاصها على ما هي عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة جليلة تطمئن بها القلوب الأبية ، وتنقاد لها النفوس الغبية ، موجبة لأعقابهم أن يتلقوها بالإذعان ويقبلوها بصميم الجنان ، فلا تأثرت أوائلهم بمشاهدتها ورؤيتها ، ولا تذكرت أواخرهم بتذكيرها وروايتها ، فيالها من عصابة ما أعصاها ، وطائفة ما أطغاها ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس . قال : ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال ما هذا اليوم ؟ قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصومه{[93]} } .


[93]:صحيح مسلم /1130؛ وفي يوم عاشوراء أحاديث كثيرة نورد منها: عن حميد ابن عبد الرحمان، أنه سمع معاوية ابن أبي سفيان، خطيبا بالمدينة خطبهم يوم عاشوراء فقال أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا يوم عاشوراء. ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب أن يفطر فليفطر.