الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (50)

وقوله تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر }[ البقرة :50 ]

{ فَرَقْنَا } : معناه جعلْنَاه فِرَقاً ، ومعنى { بِكُمُ } أي بسببكم ، و{ البحر } هو بحر القُلْزُمِ ، ولم يفرق البحر عَرْضاً من ضفَّة إلى ضفَّة ، وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة ، وكان ذلك الفرق يُقَرِّبُ موضع النجاة ، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرةٍ ، بسبب جبالٍ وأوعار حائلة ، وقيل انفرق البحْرُ عَرْضاً على اثني عَشَرَ طَريِقا طريق لكلِّ سبط ، فلما دخلوها ، قالَتْ كل طائفة : غَرِقَ أصحابنا ، وجَزِعُوا ، فقال موسى عليه السلام : اللهمَّ أَعِنِّي على أخلاقهِمُ السَّيئة ، فأوْحَى اللَّه إِلَيْه أَنْ أدِرْ عصَاك على البَحْر ، فأدارها ، فصار في الماء فتوحٌ كالطَّاق ، يرى بعضهم بعضًا ، وجازوا وجبريلُ في ساقتهم على مَاذِيَانةٍ يحث بني إسرائيل ، ويقول لآلِ فرْعَوْنَ : مَهْلاً حتى يلحق آخركم أوَّلَكُم ، فلما وصل فرعونُ إلى البحر ، أراد الدخول ، فنفر فرسُهُ ، فتعرَّض له جبريلُ بالرَّمَكَة ، فاتبعها الفرَسُ ، ودخَل آلُ فرعَوْن وميكائلُ يحثهم ، فلما لم يبق إلا ميكائيلُ في ساقتهم على الضّفَّة وحده ، انطبَقَ البحْرُ عليهم ، فغرقوا ، وَ{ تَنظُرُونَ }[ البقرة :50 ] قيل : معناه بأبصاركم لقُرْبِ بعضهم من بعضٍ ، وقيل : ببصائركم للاعتبار ، لأنهم كانوا في شُغُلٍ ، قال الطبريُّ : وفي أخبار القرآن على لسان النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذه المغيَّبات التي لم تكُنْ من علم العَرَب ، ولا وقعتْ إلا في خفيِّ علْمِ بني إسرائيل ، دليلٌ واضحٌ عند بني إسرائيل ، وقائمْ عليهم بنبوءة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم .