محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ} (92)

ولما أنهى ما ذكر تعالى من شأن جماعة من الأنبياء صلوات الله عليهم ، أشار إلى أن عقائدهم وأصول دينهم واحدة ، بقوله سبحانه وتعالى :

{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } .

{ إِنَّ هَذِهِ } أي علة التوحيد والاستسلام لمعبود واحد لا شريك له { أُمَّتُكُمْ } أي ملتكم التي يجب أن تحافظوا على حدودها وتراعوا حقوقها . والخطاب للناس كافة { أُمَّةً وَاحِدَةً } أي غير مختلفة . بل هي ملة واحدة . أي إن جميع الأنبياء ورسل الله على ملة واحدة ودين واحد . كما قال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } { وَأَنَا رَبُّكُمْ } أي لا إله لكم غيري { فَاعْبُدُونِ } أي ولا تشركوا بي شيئا .

تنبيه :

قلنا : إن الأمة هنا بمعنى الملة ، وهو الدين المجتمع عليه ، كما في قوله : { إنا وجدنا آباءنا على أمة } أي على دين يجتمع عليه . والأمة بهذا المعنى هو ما رجحه كثير من المفسرين في هذه الآية ، وفي آية : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم واحدة وأنا ربكم فاتقون } وتطلق ( الأمة ) بمعنى الجماعة ، كما هي في قوله تعالى : { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } أي جماعة . وكما في قوله : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } ولا تكون بمعنى الجماعة مطلقا . وإنما هي بمعنى الجماعة الذين تربطهم رابطة اجتماع ، يعتبرون بها واحدا ، وتسوغ أن يطلق عليهم اسم واحد كاسم الأمة . وتطلق الأمة بمعنى السنين كما في قوله تعالى : { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } وفي قوله : { وادكر بعد أمة } وبمعنى الإمام الذي يقتدى به ، كما في قوله : { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله } وبمعنى إحدى الأمم المعروفة كما في قوله : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } وهذا المعنى الأخير لا يخرج عن معنى الجماعة ، على ما ذكرنا . وإنما خصصه العرف تخصيصا . كذا حققه العلامة محمد عبده رحمه الله في تفسير آية : { كان الناس أمة واحدة } .