تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ} (92)

الآية 92 : وقوله تعالى : { إن هذه أمتكم أمة واحدة } قال بعضهم : إن هذه ملتكم وشريعتكم ومذاهبكم ملة واحدة ؛ وشريعة واحدة ؛ يعني شريعة الإسلام ، وملة واحدة ليست بمتفرقة . وقال بعضهم : إن هذا{[12796]} دينكم دين واحد ليس كدين الأمم الخالية أديانا{[12797]} مختلفة ، أو تكون الأمة ما يؤم إليها ، ويقصد لأن الأمة ، هي الجماعة ، وهي المقصودة .

وجائز أن يكون إخبارا عن هذه الأمة على دين واحد وملة واحدة ، ليسوا بمختلفين فيه ولا بمتفرقين{[12798]} كسائر الأمم الخالية كقوله : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } الآية [ آل عمران : 105 ] [ وقوله تعالى : { ولا تفرقوا } الآية [ آل عمران : 103 ] ] {[12799]} أخبر عنهم أنهم غير متفرقين ، ونهاهم عن أن يتفرقوا كما تفرق الأولون .

ألا ترى أنه قال على إثره : { وتقطعوا أمرهم بينهم } ؟ [ الأنبياء : 93 ] هذا يدل على أنه إخبار عن أهل الإسلام في [ صدد ]{[12800]} الأمر أنهم على شيء واحد .

وقال الزجاج : { إن هذه أمتكم أمة واحدة } ما لزموا الحق ، واتبعوه . وأما إذا تركوا لزومه ، وتركوا اتباعه ، فهي ليست بأمة واحدة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأنا ربكم فاعبدون } كقوله{[12801]} في آية أخرى : { وأنا ربكم فاتقون } [ المؤمنون : 52 ] ليعلم أن العبادة والتقوى واحد في الحقيقة لأن الاتقاء هو ما يجتنب من الأفعال ، والعبادة ما يؤتى من الأفعال{[12802]} . فإذا اجتنب ما يجب اجتنابه فقد أتي بما يجب إتيانه ، وإذا أتي بما يجب إتيانه فقد اجتنب ما يجب اجتنابه ، هو كقوله : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ]لأنه بفعله إياها مجتنب عن الفحشاء والمنكر .

وجائز أن يكون قوله : { وأنا ربكم فاعبدون } أي فوحدوني على ما قال أهل التأويل ، لأنه إنما خاطب به أهل مكة .


[12796]:في الأصل و م: هذه.
[12797]:في الأصل و م: أديان.
[12798]:في الأصل و م: بمفترقين.
[12799]:من م، ساقطة من الأصل.
[12800]:من م، ساقطة من الأصل.
[12801]:في الأصل و م: قال.
[12802]:أدرج بعدها في الأصل و م: والعبادة.