محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَـٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (93)

93

( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين93 ) .

( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ) قال الزمخشري : المعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة ، وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم ، لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي جربه أبوهم إسرائيل على نفسه ، فتابعوه على تحريمه .

تنبيهات :

الأول- روي ، فيما حرمه إسرائيل على نفسه ، أنه لحوم الإبل وألبانها ، رواه الإمام أحمد في قصة ، والترمذي وقال : حسن غريب . وروي عن ابن عباس والضحاك والسدي وغيرهم موقوفا عليهم انه العروق . قالوا : كان يعتريه عرق النسا بالليل فيزعجه ، فنذر لئن عوفي ليأكل عرقا ، ولا يأكل ولد ما له عرق ، فاتبعه بنوه في اخراج العروق من اللحم / استنانا به ، وافتداء بطريقه . قال الرازي : ونقل القفال رحمه الله عن ترجمة التوراة أن يعقوب لما خرج من حران إلى كنعان بعث بردا إلى أخيه عيسو إلى أرض ساعير ، فانصرف الرسول إليه فقال : ان عيسو هو ذا يتلقاك ومعه أربعمائة رجل ، فذعر يعقوب وحزن جدا ، فصلى ودعا ، وقدم هدايا لأخيه ، وذكر القصة ، إلى أن ذكر الملك الذي لقيه في صورة رجل ، فدنا ذلك الرجل ، ووضع أصبعه على موضع عرق النسا ، فخدرت تلك العصبة وجفت ، فمن أجل هذا لا يأكل بنو إسرائيل العروق –انتهى- قلت : والقصة مسوقة في سفر التكوين من التوراة في الأصحاح الثاني والثلاثين .

الثاني : التحريم المذكور ، على الرواية الأولى ، أعني لحوم الإبل وألبانها ، فكان تبررا وتعبدا وتزهدا وقهرا للنفس ، طلبا لمرضاة الحق تعالى . وعلى الثانية فإما وفاء بالنذر وإما تداويا وإما لكونه يجد نفسه تعافيه –والله أعلم- فالتحريم بمعنى الامتناع .

الثالث : قال الزمخشري : الآية رد على اليهود وتكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعى عليهم في قوله تعالى : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) . إلى قوله تعالى : ( عذابا أليما ) وفي قوله : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ) ، إلى قوله : ( ذلك جزيناهم ببغيهم ) . وجحود ما غاظهم واشمأزوا منه ، وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم . فقالوا لسنا بأول من حرمت عليه ، وما هو إلا تحريم قديم ، كانت محرمة / على نوح وعلى إبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل وهلم جرا . إلى أن انتهى التحريم إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا . وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصد عن سبيل الله وأكل الربا وأخذ أموال الناس بالباطل وما عدد من مساوئهم –انتهى- .

( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين ) أي في دعواكم أنه تحريم قديم . وفي أمره صلى الله عليه وسلم بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم بما هو ناطق به من أن تحريم ما حرم عليهم حادث لا قديم ، كما يدعونه –أعظم برهان على صدقه وكذبهم إذ لم يجسروا على إخراج التوراة . فبهتوا وانقلبوا صاغرين .