فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَـٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (93)

- لما نزل قول الله تعالى { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم . . } {[1064]} وقوله . . { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر . . }{[1065]} وإلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه إنما حرم عليهم كثيرا من الأشياء جزاء لهم على بغيهم وظلمهم غاظهم ذلك واشمأزوا وامتعضوا ، من قبل أن ذلك يقتضي وقوع النسخ ومن قبل أنه تسجيل عليهم بالبغي والظلم وغير ذلك من مساويهم ، فقالوا لسنا بأول من حرمت عليه وما هو إلا تحريم قديم فنزلت : { كل الطعام } أي المطعومات كلها لدلالة { كل } على العموم ، وإن كان لفظه مفردا سواء قلنا الاسم المفرد المحلى بالألف واللام يفيد العموم أو لا . والطعام اسم لكل ما يطعم ويؤكل . . فيحتمل أن يكون المراد الأطعمة التي كان يدعي اليهود في وقت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنها كانت محرمة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا يكون اللام في الطعام للعهد لا للاستغراق والحل مصدر كالعز والذل ولذا استوى فيه الواحد والجمع قال تعالى { . . لا هن حل لهم . . }{[1066]} ، والوصف بالمصدر يفيد المبالغة وأما الذي حرم إسرائيل على نفسه فروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن يعقوب مرض مرضا شديدا فنذر لئن عافاه الله ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام والشراب إليه لحمان الإبل وألبانها وهذا قول أبي العالية وعطاء ومقاتل . . وههنا سؤال وهو أن التحريم والتحليل خطاب الله تعالى ، فكيف صار تحريم يعقوب سببا للحرمة ؟ فأجاب المفسرون بأن الأطباء أشاروا إليه باجتنابه ففعل وذلك بإذن الله تعالى . . وأيضا الاجتهاد جائز على الأنبياء لعموم { . . فاعتبروا . . }{[1067]} ولقوله في معرض المدح { . . لعلمه الذين يستنبطونه منهم . . }{[1068]} ولأن الاجتهاد طاعة شاقة فيلزم أن يكون للأنبياء منها نصيب أوفر لاسيما ومعارفهم أكثر وعقولهم أنور وأذهانهم أصفى وتوفيق الله وتسديده معهم أوفى ، ثم إذا حكموا بسبب الاجتهاد يحرم على الأمة مخالفتهم في ذلك الحكم . . والأظهر أن ذلك التحريم ما كان بالنص وإلا لقيل : إلا ما حرمه الله على إسرائيل فلما نسب إلى إسرائيل دل على أنه باجتهاده{[1069]} .

{ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين } قال الكلبي : لم يحرمه الله عز وجل في التوراة عليهم وإنما حرمه بعد التوراة بظلمهم وكفرهم وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم الله تعالى عليهم طعاما طيبا أو صب عليهم رجزا وهو الموت ، فذلك قوله تعالى { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات لهم أحلت لهم . . }{[1070]} الآية وقوله { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر . . } إلى قوله { . . ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون }{[1071]} .


[1064]:من سورة النساء من الآية 160.
[1065]:من سورة الأنعام من الآية 146.
[1066]:من سورة الممتحنة من الآية 10.
[1067]:من سورة الحشر من الآية 2.
[1068]:من سورة النساء من الآية 83.
[1069]:من تفسير غرائب القرآن.
[1070]:من تفسير سورة النساء من الآية 160.
[1071]:من سورة الأنعام من الآية 146.