{ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } الآية .
قال أبو روق والكلبي : كان هذا حين قال النبي صلى الله عليه وسلم : " " أنا على ملة إبراهيم
" . فقالت اليهود : كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كان ذلك حلالاً لإبراهيم فنحن نحّله " فقالت اليهود : كل شيء أصبحنا اليوم نحرّمه فإنّه كان محرّماً على نوح وإبراهيم هاجراً حتى انتهى إلينا ، فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم : { كُلُّ الطَّعَامِ } المحلل لكم اليوم { كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } . "
{ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ } وهو يعقوب { عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ } .
واختلف المفسّرون في ذلك الطعام ، فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وأبو مجلز : هي العروق وكان [ سبب ] ذلك أنّ يعقوب ( عليه السلام ) اشتكى عرق النساء ، وكان أصل وجعه ذلك ، ما روى جويبر ومقاتل عن الضحاك أنّ يعقوب بن إسحاق كان قد نذر إن وهب الله له اثني عشر ولداً وأتى بيت المقدس صحيحاً أن يذبح آخرهم ، فتلقّاه ملك من الملائكة فقال له : يا يعقوب إنّك رجلٌ قوي ، هل لك في الصراع ؟ فعالجه فلم يصرع واحد منهما صاحبه ، ثم غمزه الملك غمزة فعرض له عرق النساء من ذلك ، ثم قال : أما أنّي لو شئت أن أصرعك لفعلت ، ولكن غمزتك هذه الغمزة لأنّك قد كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحاً ذبحت آخر ولدك ، وجعل الله لك بهذه الغمزة مخرجاً ، فلمّا قدمها يعقوب أراد ذبح ابنه ونسي قول الملك ، فأتاه الملك فقال : أنا غمزتك هذه الغمزة للمَخرج وقد وفي نذرك فلا سبيل لك إلى ولدك .
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : أقبل يعقوب ( عليه السلام ) من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيص وكان رجلا بطّيشاً قوياً ، فلقيه ملك فظنّ [ يعقوب ] أنّه لصّ فعالجه أن يصرعه فغمز الملك فخذ يعقوب ثم صعد إلى السماء ويعقوب ينظر إليه ، فهاج به عرق النساء ولقي من ذلك بلاء شديداً وكان لا ينام بالليل من الوجع [ ويبيت ] وله زقاء أي صياح ، فحلف يعقوب ( عليه السلام ) لئن شفاه الله أن لا يأكل عرقاً ولا طعاماً فيه عرق ، فحرّمها على نفسه فجعل بنوه يبتغون العروق يخرجونها من اللحم ، وقال أبو العالية وعطاء ومقاتل والكلبي : كان ذلك لحمان الإبل وألبانها .
وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس " أن عصابة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا أي الطعام حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أشهدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أنّ يعقوب مرض مرضاً شديداً فطال سقمه عليه ، فنذر لله لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمن أحبّ الطعام والشراب إلى نفسه ، وكان أحبّ الطعام إليه لحمان الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها "
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما أصاب يعقوب عرق النساء ووصف له الأطباء أن يجتنب لحوم الإبل ، فحرّم يعقوب على نفسه لحوم الإبل ، فقالت اليهود : إنّا حرّمنا على أنفسنا لحوم الإبل ؛ لأنّ يعقوب حرّمها وأنزل الله تحريمها في التوراة فأنزل الله هذه الآية .
وقال الحسن : حرّم إسرائيل على نفسه لحوم الجزور تعبداً لله عز وجل فسأل ربّه عز وجل أن يجيز له ذلك ، فحرّمه الله على ولده ، وقال عكرمة : حرّم إسرائيل على نفسه زائدة الكبد والكليتين والشحم إلاّ ما على الظهور ، وروى ليث عن مجاهد قال : حرّم إسرائيل على نفسه لحوم الأنعام ثم اختلفوا في هذا الطعام المحرّم على إسرائيل بعد نزول التوراة ، وقال السدي : إنّ الله لما أنزل التوراة حرّم عليهم ما كانوا يحرّمونها قبل نزولها اقتداءً بأبيهم يعقوب ( عليه السلام ) ، وقال عطية : إنّما كان ذلك حراماً عليهم لتحريم إسرائيل ذلك عليهم وذلك أنّ إسرائيل قال حين أصابه عرق النساء : والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد ، ولم يكن ذلك محرّماً عليهم في التوراة .
وقال الكلبي : لم يحرّمه الله عليهم في التوراة وإنّما حرّم عليهم بعد التوراة لظلمهم وكفرهم ، وكان بنو إسرائيل كلما أصابوا ذنباً عظيماً حرّم الله عليهم طعاماً طيباً ، أو صبّ عليهم رجزاً وهو الموت ، وذلك قوله تعالى :{ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] ، وقوله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ } إلى قوله { وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] .
وقال الضحاك : لم يكن شيء من ذلك علينا حراماً ، ولا حرّم الله عليهم في التوراة وإنّما هو شيء حرّموه على أنفسهم اتّباعاً لأبيهم ، وأضافوا تحريمه إلى الله فكذّبهم الله تعالى فقال : قل لهم يا محمد { فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا } حتى يتبين أنّه كما يقول لا كما قلتم ، فلم يأتوا ، وروى أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرق النساء يأخذ إليّة كبش عربي لا صغير ولا كبير فيقطع صغاراً فيخرج أهالته فيخرج على ثلاث قِسَم ، ويأكل كل يوم على ريق النفس ، قال أنس : فوصفته لأكثر من مائة فشفاهم الله " .
وروى شعبة أنّه رأى شيخاً في زمن الحجاج بن يوسف يقول لعرق النساء : أقسم عليك بالله الأعلى لئن لم تنته لأكوينّك بنار أو لألحقنك بموسى ، قال شعبة : فإنّه يقول ذلك ويمسح على ذلك الموضع فيبرأ بإذن الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.