محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَوۡمَئِذٖ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثٗا} (42)

( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا42 ) .

( يومئذ ) أي يوم القيامة ( يود ) أي يتمنى ( الذين كفروا ) بالله ( وعصوا الرسول ) بالاجابة ( لو تسوى بهم الأرض ) أي يهلكون فيها . أي يدفنون . فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى . إذ هو أعز لهم من الهوان الذي يلحقهم من فضائحهم . كقوله : ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) . . . الآية . ف ( تسوى ) بمعنى : تجعل مستوية . والباء للملابسة . أي تسوى الأرض متلبسة بهم . وقيل : الباء بمعنى ( على ) وفي ( الدر المصون ) : وتسوية الأرض بهم أو عليهم : دفنهم . أو أن تنشق وتبلعهم . أو أنهم يبقون ترابا على أصلهم من غير خلق . وقوله تعالى : ( ولا يكتمون حديثا ) عطف على ( يود ) أي ويعترفون / بجميع ما فعلوه . لا يقدرون على كتمانه . لأن جوارحهم تشهد عليهم . أو ( الواو ) للحال . أي يودون أن يدفنوا في الأرض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا . ولا يكذبونه بقولهم : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) . كما روى ابن جرير{[1734]} عن الضحاك " أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال : يا ابن عباس ! قول الله تعالى : ( ولا يكتمون الله حديثا ) . وقوله : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) . فقال له ابن عباس : اني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت : ألقي على ابن عباس متشابه القرآن . فاذا رجعت اليهم فأخبرهم أن الله تعالى يجمع الناس يوم القيامة في بقيع واحد . فيقول المشركون : ان الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده . فيقولون تعالوا نقل . فيسألهم فيقولون : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) . قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين . فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثا " .

وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير نحو ما تقدم . واعتمده الإمام أحمد في كتاب ( الرد على الجهمية ) في باب ( بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن ) وساق مثل ما تقدم عن ابن عباس . ثم قال : فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة .


[1734]:الأثر 9522 من التفسير.