محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

60- سورة الممتحنة بفتح الحاء وقد تكسر .

فعلى الأول هي صفة المرأة التي نزلت فيها ، وعلى الثاني صفة السورة ، كما قيل لبراءة ( الفاضحة ) كما في ( الأعلام ) .

قال المهايمي سميت بها لدلالة آية الامتحان على أنه لا يكتفي في باب الصحة بظواهر الأدلة كالهجرة ، بل لا بد من اختبار البواطن فدلائل الاعتقادات أولى بذلك ، وهذا من أعظم مقاصد القرآن انتهى .

وفي ( جمال القراء ) أنها تسمى سورة الامتحان وسورة المودة ، وهي مدنية وآيها ثلاث عشرة .

{ يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } أي أنصارا نهي لأصحاب النبي صلوات الله عليه ، عن موالاة مشركي مكة المحاربين لله ولرسوله وقتئذ لما فيها من الفتنة بالدين وأهله كما يأتي ، { تلقون إليهم بالمودة } أي صميم المحبة ، والباء زائدة في المفعول ، { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } أي من الإيمان بالله ورسوله وكتابه الذي هو نهاية الهدى وغاية السعادة .

ثم أشار إلى أنه لم يكفهم ذلك حتى آذوا المؤمنين بما يقطع العلائق معهم رأسا بقوله :{ يخرجون الرسول وإياكم } أي من أرضكم ودياركم { أن تؤمنوا بالله ربكم } أي يخرجونكم لإيمانكم بالله الجامع للكمالات المتقضية انقياد الناقض له ، لا سيما باعتبار اتصافه بوصف كونه بالكمالات فهي بالحقيقة عداوة مع الله .

قال ابن كثير هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ، ولهذا قال تعالى { أن تؤمنوا بالله ربكم } أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى {[7054]} { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } وكقوله تعالى {[7055]} :{ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } وقوله تعالى { إن كنتم خرجتم } أي هاجرتم { جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } أي للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم وديني الذي أمرتكم به والتماس رضائي عنكم الذي لا ثواب فوقه ، والشرط متعلق ب { لا تتخذوا } أي لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي { تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } أي من المودة معهم وغيرها ، { ومن يفعله منكم } أي اتخاذهم أولياء ، { فقد ضل سواء السبيل } أي جار عن السبيل السوي الذي جعله الله هدى ونجاة .


[7054]:85/ البروج / 8.
[7055]:22/ الحج /40.