محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

16 { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون } .

{ أم حسبتم أن تتركوا } أي على ما أنتم عليه ، ولا تؤمروا بالجهاد { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } أي بطانة يفشون إليهم أسرارهم . والواو في ( ولما ) حالية ، و( لما ) للنفي مع التوقع ، والمراد من نفي العلم نفي المعلوم بالطريق البرهاني ، إذ لو شم رائحة الوجود ، لَعَلِمَ قطعا . فلما لم يعلم لزم عدمه قطعا . { ولم يتخذوا } عطف على { جاهدوا } داخل في حيز الصلة . والمعنى : أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه ، والحال أنه لم يتبين الخلص من المجاهدين منكم من غيرهم ، بل لابد أن تختبروا ، حتى يظهر المخلصون منكم ، وهم الذين جاهدوا في سبيل الله ، لوجه الله ، ولم يتخذوا وليجة ، أي بطانة من الذين يضادون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين رضوان الله عليهم . ودلت ( لما ) على أن تبين ذلك وإيضاحه متوقع كائن ، وإن الذين لم يخلصوا دينهم لله يميز بينهم وبين المخلصين . وفي الآية اكتفاء بأحد القسمين ، حيث لم يتعرض للمقصرين ، وذلك لأنه بمعزل من الاندراج تحت إرادة أكرم الأكرمين ، وهذا كما قال{[4487]}

وما أدري إذا يممت أرضا *** أريد الخير أيهما يَلِنِي

/ وقد قال تعالى في الآية الأخرى{[4488]} : { آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } وقال تعالى{[4489]} : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة . . . } الآية – وقال تعالى{[4490]} : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه . . . } الآية - وكلها تفيد أن مشروعية الجهاد اختبار المطيع من غيره .


[4487]:قائله المثقب العبدي، في مفضليته السادسة والسبعين.
[4488]:29 / العنكبوت / 1- 3.
[4489]:2 / البقرة / 214 و 3 آل عمران / 142.
[4490]:3/ آل عمران/ 179