قوله تعالى :{ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم } أتم وأكمل ، { نعمه } قرأ أهل المدينة ، وأبو عمرو ، وحفص ، نعمه بفتح العين وضم الهاء على الجمع ، وقرأ الآخرون منونة على الواحد ، ومعناها الجمع أيضاً كقوله : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } { ظاهرة وباطنة } قال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة : الإسلام والقرآن ، والباطنة : ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة . وقال الضحاك : الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء ، والباطنة : المعرفة . وقال مقاتل : الظاهرة : تسوية الخلق ، والرزق ، والإسلام . والباطنة الإيمان ؟ وقال الربيع : الظاهرة الجوارح ، والباطنة : القلب . وقيل : الظاهرة الإقرار : باللسان ، والباطنة : الاعتقاد بالقلب . وقيل : الظاهرة : تمام الرزق والباطنة : حسن الخلق . وقال عطاء : الظاهرة : تخفيف الشرائع ، والباطنة : الشفاعة . وقال مجاهد : الظاهرة : ظهور الإسلام والنصر على الأعداء ، والباطنة : الإمداد بالملائكة . وقيل : الظاهرة : الإمداد بالملائكة ، والباطنة : إلقاء الرعب في قلوب الكفار . وقال سهل ابن عبد الله : الظاهرة : اتباع الرسول ، والباطنة : محبته . { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } نزلت في النضر بن الحارث ، وأبي بن خلف ، وأمية بن خلف ، وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته بغير علم . { ولا هدى ولا كتاب منير* }
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ( 20 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } .
يمنّ الله في هذه الآية على عباده بما في ذلك من استفهام على سبيل التقريع للمشركين المكذبين الذين يجحدون نعم الله الكثيرة ، فقد سخر الله لهم ما في السماوات والأرض من النعم . أي يسَّرها وذللها لهم لينتفعوا بها ، سخر لهم ما حوته السماوات والأرض من شمس مضيئة مشرقة ، وقمر ساطع منير ، وكواكب لوامع ونجوم هائلة ثوابت ، وأجرام كثيرة ومختلفة ومبثوثة في أرجاء الكون الفسيح ، تجمع بينها قوانين مستقرة ، في غاية الدقة والإحكام فلا خبط ولا عِِثار ولا فوضى . وكذلك سخر لهم ما في الأرض . هذا الكوكب المتقن الدائر العجيب بما حواه من بحار وأنهار وأشجار فيها من كل الثمرات . وكذلك الهواء الذي يملأ الأرض بمركباته الدقيقة ، ومن أهمها عنصر الأكسجين الذي تتنفسه الأحياء فلا تموت . إلى غير ذلك من وجوه المنافع المستفادة من طبقات الأرض ومركباته كالمعادن والمياه والأسماك والطقوس والبيئات والأحوال المختلفة المتكاملة . كل ذلك بفعل الله وتقديره فهو سبحانه الخالق القادر المنّان .
قوله : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } أسبغ أي أفاض وأتم . أسبغت الوضوء أي أتممته{[3656]} والمعنى : أن الله أتم نعمه عليكم وأكملها لكم { ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } واختلفوا في المراد بنعم الله الظاهرة والباطنة . فقد قيل : المراد بالظاهرة الإسلام ، إذ أتمه الله على عباده ليسعدوا به وينجوا ، والباطنة ، ما ستر الله على عبده من سوء العمل ؛ فقد روي أن ابن عباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال : " الظاهرة الإسلام وما حسن من خلْقك . والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك . وقيل : الظاهرة : تمام الصحة وكمال الخلْق من السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح الظاهرة . والباطنة : المعرفة والعقل والقلب . وقيل : الظاهرة نعم الدنيا ، والباطنة نعم الآخرة . وقيل : الظاهرة ما تشهد به الأبصار من مال وجاه وجمال في الحياة والطبيعة . أو ما يدرك بالعقل والحس والمشاهدة . وأما الباطنة فهي ما يخفى على الناس ولا يدركونه من النعم .
قوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } من الناس معاندون فجّار يخاصمون في شأن الله من حيث وجوده أو وحدانيته أو إفراده دون غيره بالعبادة والطاعة وكامل الإذعان ، وذلك على سبيل المكابرة والمعاندة والعتو { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي ليس لهم فيما يتقولونه ويتخرصونه من حجة أو دليل من عقل ولا نقل { وَلاَ هُدًى } أي ولا بيان يهدي إلى الصواب ويميز بين الحق والباطل { وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } أي ليس له فيما يزعمه برهان من تنزيل من الله كاشف ونير يعزز حقيقة دعواه ، ويشهد بصدق خصامه . إنه ليس لهؤلاء المكذبين في خصامهم من دليل أو حجة إلا العناد والتمرد والاستكبار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.