تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

وإلى التحدُّثِ بنعمة الله الكبرى عليه . . ومن أعظَمِها الهدايةُ لهذا الدين القويم . وهذا توجيهٌ من الله بأن نتحلّى بالأخلاق العالية ، وأن نكون لطفاءَ لَيِّنين مع الناس ، ونبتعدَ عن الغِلظَة والفظاظة التي يتّصف بها كثيرٌ مِمَّن يَدَّعون التديُّن .

اللهم اهدِنا سواء السبيل ، واجعلنا ممن يقتفون آثارَ الرسول الكريم ويتبعون سُننه وأخلاقَه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

الرابعة- قوله تعالى : " وأما بنعمة ربك فحدث " أي أنشر ما أنعم اللّه عليك بالشكر والثناء . والتحدث بنعم اللّه ، والاعتراف بها شكر . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد " وأما بنعمة ربك " قال بالقرآن . وعنه قال : بالنبوة ، أي بلغ ما أرسلت به . والخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، والحكم عام له ولغيره . وعن الحسن بن علي رضي اللّه عنهما قال : إذا أصبت خيرا ، أو عملت خيرا ، فحدث به الثقة من إخوانك . وعن عمرو بن ميمون قال : إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به ، يقول له : رزق اللّه من الصلاة البارحة كذا وكذا . وكان أبو فراس عبد الله بن غالب إذا أصبح يقول : لقد رزقني اللّه البارحة كذا ، قرأت كذا ، وصليت كذا ، وذكرت اللّه كذا ، وفعلت كذا . فقلنا له : يا أبا فراس ، إن مثلك لا يقول هذا قال يقول اللّه تعالى : " وأما بنعمة ربك فحدث " وتقولون أنتم : لا تحدث بنعمة اللّه ونحوه عن أيوب السختياني وأبي رجاء العطاردي رضي اللّه عنهم . وقال بكر بن عبد الله المزني قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( من أعطي خيرا فلم ير عليه ، سمي بغيض اللّه ، معاديا لنعم اللّه ) . وروى الشعبي عن النعمان بن بشير قال : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : [ من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس ، لم يشكر اللّه ، والتحدث بالنعم شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ] . وروى النسائي عن مالك بن نضلة الجشمي قال : كنت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالسا ، فرآني رث الثياب فقال : [ ألك مال ؟ ] قلت : نعم ، يا رسول اللّه ، من كل المال . قال : [ إذا آتاك اللّه مالا فلير أثره عليك ] . وروى أبو سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : [ إن اللّه جميل يحب الجمال ، ويجب أن يرى أثر نعمته على عبده ] .

ختام السورة:

فصل : يُكبر القارئ في رواية البزي عن ابن كثير - وقد رواه مجاهد عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : إذا بلغ آخر " والضحى " كبر بين{[1]} كل سورة تكبيرة ، إلى أن يختم القرآن ، ولا يصل آخر السورة بتكبيره ، بل يفصل بينهما بسكتة . وكأن المعنى في ذلك أن الوحي تأخر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أياما ، فقال ناس من المشركين : قد ودعه صاحبه وقلاه ، فنزلت هذه السورة فقال : [ اللّه أكبر ] . قال مجاهد : قرأت على ابن عباس ، فأمرني به ، وأخبرني به عن أبيّ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم . ولا يكبر في قراءة الباقين ؛ لأنها ذريعة إلى الزيادة في القرآن .

قلت : القرآن ثبت نقلا متواترا سوره وآياته وحروفه ، لا زيادة فيه ولا نقصان ، فالكبير على هذا ليس بقرآن . فإذا كان بسم اللّه الرحمن الرحيم المكتوب في المصحف بخط المصحف ليس بقرآن ، فكيف بالتكبير الذي هو ليس بمكتوب . أما أنه ثبت سنة بنقل الآحاد ، فاستحبه ابن كثير ، لا أنه أوجبه فخطأ من تركه . ذكر الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ في كتاب المستدرك له على البخاري ومسلم : حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد ، المقرئ الإمام بمكة ، في المسجد الحرام ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة : سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين ، فلما بلغت " والضحى " قال لي كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت " والضحى " قال : كبر حتى تختم . وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبيّ بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبيّ بن كعب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمره بذلك . هذا حديث صحيح ولم يخرجاه .


[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

ولما ذكر له تفصيل ما يفعل في اليتيم والفقير والجاهل ، أمره بما يفعل في العلم الذي آتاه إياه إعلاماً بأنه الآلة التي يستعملها في الأمرين الماضيين وغيرهما لأنها أشرف أحوال الإنسان وهي أوفق الأمور لأن يكون مقطع السورة لتوافق مطلعها فقال : { وأما بنعمة ربك } أي الذي أحسن إليك بإصلاح جميع ما يهمك من العلم وغيره وبالهجرة ومبادئها عند تمام عدد آيها من السين وهي إحدى عشرة { فحدث * } أي فاذكر النبوة وبلغ الرسالة فاذكر جميع نعمه عليك فإنها نعم على الخلق كافة ، ومنها إنقاذك بالهجرة من أيدي الكفرة وإعزازك بالأنصار ، وتحديثك بها شكرها ، فإنك مرشد يحتاج الناس إلى الاقتداء بك ، ويجب عليهم أن يعرفوا لك ذلك ويتعرفوا مقدارك ليؤدوا حقك ، فحدثهم أني ما ودعتك ولا قليتك ، ومن قال ذلك فقد خاب وافترى ، واشرح لهم تفاصيل ذلك بما وهبتك من العلم الذي هو أضوأ من ضياء الضحى وقد رجع آخرها على أولها بالتحديث بهذا القسم والمقسم لأجله ، وما للملك الأعلى في ذلك من عميم فضله : ولقد امتثل صلى الله عليه وسلم وابتدأ هذا التحديث الذي يشرح الصدور ، ويملأ الأكوان من السرور ، والنعمة والحبور ، لأنه بأكبر النعم المزيلة لكل النقم بالتكبير كما ورد في قراءة ابن كثير وفي رواية السوسي عن أبي عمرو ، واختلف القراء في ابتدائه وانتهائه ولفظه ، فقال بعضهم : هو من أول الضحى ، وقال آخرون : من آخرها ، وقال غيرهم من أول الشرح ، فمن قال للأول لم يكبر آخر الناس ، ومن قال للآخر انتهى تكبيره بالتكبير في آخرها ، وسببه أن جبريل عليه الصلاة والسلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي ، فتلا السورة عليه كبر مسروراً لما كان أحزنه من الفترة ومن قول المشركين : قلاه ربه ، وتحديثاً بالنعم التي حباه الله بها في هذه السورة له ولأمته امتثالاً لما أمر به واختلف عنهم في لفظه ، فمنهم من اقتصر على " الله أكبر " ومنهم من زاد التهليل فقال : " لا إله إلا الله والله أكبر " وهذا هو المستعمل ، ومنهم من زاد " ولله الحمد " والراجح قول من قال : إنه لآخر الضحى إسناداً ومعنى ، لأنها وإن كانت هي السبب والعادة جارية بأن من دهمه أمر عظيم يكبر مع أوله ، لكن شغله صلى الله عليه وسلم بالإصغاء إلى ما يوحى إليه منعه من ذلك ، فلما ختمت السورة تفرغ له ، فكان ذلك الوقت كأنه ابتداء مفاجأة ذلك الأمر العظيم له ، وزاد ما في السورة من جلائل النعم المقتضية للتحميد وما في ذلك من بدائع الصنع الموجب للتهليل ، وقد علم بذلك سبب من ظنه في أولها ، وأما من ظنه لأول الشرح فكونه كان في آخر الضحى ، فإذا وصل بها " ألم نشرح " ألبس الحال ، وتعليق الأشياء بالأوائل هو الأمر المعتاد ، وحكمته مع ما مضى من سببه أن التهليل توحيده سبحانه وتعالى بالأمر ، وامتناع شريك يمنعه من شيء يريده من الوحي وغيره ، والتكبير تفريده له بالكبرياء تنزيهاً له عن شوب نقص يلم به من أن يتجدد له علم ما لم يكن ليكون ذلك سبباً لقطع من وصله بوحي أو غيره ، والتحميد إثبات التفرد بالكمال له على إسباغ نعمه ، وفي ذلك أن هذه السورة آذنت بأن القرآن أشرف على الختام ، لأن عادة الحكماء من المدبرين تخفيف المنازل في الأواخر على السائرين كتخفيف أول مرحلة رفقاً بالمقصرين ، فناسب الذكر بهذا عند الآخر لأن تذكر الانقضاء يهيج مثل ذلك عند السالك ، ولأن تقصير السور ربما أوهم شيئاً مما لا يليق ، فسن التنزيه بتكبيره سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم نقصاً ، وإثبات الكمال له بالتوحيد منبه على الحث على تدبر ما في هذه السورة من الجمع للمعاني على وجازتها وقصر آياتها وحلاوتها مع ما في ذلك من تخفيف التعليم ، والتدريب على الحفظ في المبادىء والتحبيب فيه والتهميم ، والتحميد على إتمام النعمة على غاية الإحكام من لدن حكيم عليم .

ختام السورة:

وقد رجع آخرها على أولها بالتحديث بهذا القسم والمقسم لأجله ، وما للملك الأعلى في ذلك من عميم فضله : ولقد امتثل صلى الله عليه وسلم وابتدأ هذا التحديث الذي يشرح الصدور ، ويملأ الأكوان من السرور ، والنعمة والحبور ، لأنه بأكبر النعم المزيلة لكل النقم بالتكبير كما ورد في قراءة ابن كثير وفي رواية السوسي عن أبي عمرو ، واختلف القراء في ابتدائه وانتهائه ولفظه ، فقال بعضهم : هو من أول الضحى ، وقال آخرون : من آخرها ، وقال غيرهم من أول الشرح ، فمن قال للأول لم يكبر آخر الناس ، ومن قال للآخر انتهى تكبيره بالتكبير في آخرها ، وسببه أن جبريل عليه الصلاة والسلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي ، فتلا السورة عليه كبر مسروراً لما كان أحزنه من الفترة ومن قول المشركين : قلاه ربه ، وتحديثاً بالنعم التي حباه الله بها في هذه السورة له ولأمته امتثالاً لما أمر به واختلف عنهم في لفظه ، فمنهم من اقتصر على " الله أكبر " ومنهم من زاد التهليل فقال : " لا إله إلا الله والله أكبر " وهذا هو المستعمل ، ومنهم من زاد " ولله الحمد " والراجح قول من قال : إنه لآخر الضحى إسناداً ومعنى ، لأنها وإن كانت هي السبب والعادة جارية بأن من دهمه أمر عظيم يكبر مع أوله ، لكن شغله صلى الله عليه وسلم بالإصغاء إلى ما يوحى إليه منعه من ذلك ، فلما ختمت السورة تفرغ له ، فكان ذلك الوقت كأنه ابتداء مفاجأة ذلك الأمر العظيم له ، وزاد ما في السورة من جلائل النعم المقتضية للتحميد وما في ذلك من بدائع الصنع الموجب للتهليل ، وقد علم بذلك سبب من ظنه في أولها ، وأما من ظنه لأول الشرح فكونه كان في آخر الضحى ، فإذا وصل بها " ألم نشرح " ألبس الحال ، وتعليق الأشياء بالأوائل هو الأمر المعتاد ، وحكمته مع ما مضى من سببه أن التهليل توحيده سبحانه وتعالى بالأمر ، وامتناع شريك يمنعه من شيء يريده من الوحي وغيره ، والتكبير تفريده له بالكبرياء تنزيهاً له عن شوب نقص يلم به من أن يتجدد له علم ما لم يكن ليكون ذلك سبباً لقطع من وصله بوحي أو غيره ، والتحميد إثبات التفرد بالكمال له على إسباغ نعمه ، وفي ذلك أن هذه السورة آذنت بأن القرآن أشرف على الختام ، لأن عادة الحكماء من المدبرين تخفيف المنازل في الأواخر على السائرين كتخفيف أول مرحلة رفقاً بالمقصرين ، فناسب الذكر بهذا عند الآخر لأن تذكر الانقضاء يهيج مثل ذلك عند السالك ، ولأن تقصير السور ربما أوهم شيئاً مما لا يليق ، فسن التنزيه بتكبيره سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم نقصاً ، وإثبات الكمال له بالتوحيد منبه على الحث على تدبر ما في هذه السورة من الجمع للمعاني على وجازتها وقصر آياتها وحلاوتها مع ما في ذلك من تخفيف التعليم ، والتدريب على الحفظ في المبادىء والتحبيب فيه والتهميم ، والتحميد على إتمام النعمة على غاية الإحكام من لدن حكيم عليم .