تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحديد مدنية وآياتها تسع وعشرون ، نزلت بعد سورة الزلزلة . وهي من السور المدنية التي تعنى بالتشريع وتهذيب الأخلاق والتربية ، وبناء مجتمع إسلامي جديد على أساس العقيدة الصافية ، والخلق الكريم ، والتشريع الإسلامي البناء ، حتى يهيئ الله المؤمنين لحمل هذا الدين ، وإبلاغه للناس أجمعين . وقد سميت سورة الحديد لقوله تعالى : { وأنزلنا الحديدَ فيه بأس شديد ومنافع للناس } . وقد جاء اكتشافه انقلابا كبيرا في مصير الحضارة ، فمن الحديد تُصنع السيوف والرماح والدروع وكانت في ذلك العصر هي آلات الحرب ، واليوم تصنع منه الدبّابات والغواصات والبواخر والمدافع ، وجميع آلات الحرب ووسائل النقل والبناء .

وقد تناولت السورة مواضيع عديدة أوّلها وأهمها أن يكون الكون كله لله ، وبدأت بالإخبار أن الله سبح له ونزهه عما لا يليق به كل من في السموات والأرض ، وأنه هو المتصرف بهذا الكون العجيب كما يشاء .

والثاني : أنها بعد أن أمرت بالإيمان بالله حضّت على الإنفاق في سبيل الله والتضحية بالأموال والأنفس لإعزاز دين الله ، وأظهرت صورة المؤمنين يسعى نورهم أمامهم وحولهم ، وصورة المنافقين يلتمسون الانتظار من المؤمنين ، ليقتبسوا من نورهم . وقد ضُرب بينهم بسور له باب ، باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قِبَله العذاب .

والأمر الثالث : تصوير حقيقة الدنيا وما فيها من بَهْرَج خادع ، ونعيم زائل ، حتى لا يغتر بها الإنسان . وتضرب السورة الأمثال على هوان الدنيا وما حوته من متاع ، وعظم الآخرة وما فيها من نعيم للمؤمنين وعذاب للكافرين والمنافقين . وقد ظهرت هذه الفئة بالمدينة وكان لها خطر كبير على المؤمنين ، لكن الله نَصَر المؤمنين عليهم بإيمانهم وثباتهم وبذلهم وتضحيتهم .

وفي السورة الكريمة دعوة للمؤمنين إلى التنافس والتسابق نحو الدار الآخرة ونيل الرضوان من الله ، وذلك في قوله تعالى : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدّت للذين آمنوا بالله ورسله ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم } . وتخلل السورة ذكر بعض الأنبياء ، وإنزال الحديد .

ثم ختمت السورة بدعوة المؤمنين إلى تقوى الله ، والإيمان برسوله ، ووعد الله لهم بمضاعفة الرحمة ، والحظوة بالفضل الذي لا يقدر أحد على شيء منه غيره { وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم } صدق الله العظيم .

سبّح لله : نزّهه عن كل ما لا يليق به .

العزيز : الذي لا ينازعه في ملكه شيء .

الحكيم : الذي يفعل أفعاله وَفْقَ الحكمة والصواب .

بُدئت هذه السورة الكريمة بالتسبيح ، وكذلك بدئت بعدها أربع سور مدنية ، هي : الحشر والصف و الجمعة و التغابن . وأيُّ تسبيح ! إن كل ما في الوجود يسبّح لله . وما هو هذا التسبيح ؟ . يقول علماء المادة اليوم : « إن التسبيح ها هنا

لا يقتصر على كون الذرّات والأجسام الفضائية تخضع للنواميس التي وضعَها اللهُ فيها ، فهي بهذا تسبّحُ بحمد الله سبحانه ، فهناك ما هو أبعدُ من هذا وأقرب إلى مفهوم التسبيح الحيّ والتقديس الواعي . إن هذه الموجودات المادية تملك أرواحاً ، وهي تمارس تسبيحَها وتقديسها بالروح ، وربما بالوعي الذي لا نستطيع استيعاب ماهيّته ، كما يقول تعالى في سورة الإسراء 44 : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } حقا إن إدراك الطرائق التي تعمل بها الذراتُ والأجسام لَمِمّا يصعُب تحقيقه ، ومهما تقدّم العلم وخطا خطواتهِ العملاقة ، فسيظلُّ جانبٌ من أكثر جوانب التركيب الماديّ أهميةً بعيداً عن الكشف النهائي ، مستعصياً على البَوْح بالسِّر المكنون » .

إن عصر الإنكار الكلّي لحقائقَ علميةٍ معينة قد انتهى ، وحلَّ محلّه اعتقادٌ سائد أخَذَ يتسع شيئاً فشيئا ، في أن ميدانَ العِلم لا يشهَدُ تغيراتٍ فحسب ، بل طَفَراتٍ وثورات .

إن نتائج فلسفيةً هامة ستتمخّض حقاً عن هذا التغير ، والفرق بين ما هو طبيعي وما هو خارقٌ للطبيعة سوف يتناقص . . الفرقُ بين الطبيعة وما وراء الطبيعة ، والحضور والغيْب ، والمادة والروح ، والقدَر والحرّية ، وستلتقي معطياتُ العلم مع حقائق الدين في عناق حار ، لقاءً كثيراً ما حدّثنا عنه القرآنُ الكريم ، كتابُ الله المعجزة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الحديد [ وهي ] مدنية

{ 1-6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه ، أن جميع ما في السماوات والأرض من الحيوانات الناطقة والصامتة وغيرها ، [ والجوامد ] تسبح بحمد ربها ، وتنزهه عما لا يليق بجلاله ، وأنها قانتة لربها ، منقادة لعزته ، قد ظهرت فيها آثار حكمته ، ولهذا قال : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوقات العلوية والسفلية لربها ، في جميع أحوالها ، وعموم عزته وقهره للأشياء كلها ، وعموم حكمته في خلقه وأمره .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

سورة الحديد مكية

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

مدنية.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

مدنية في قول الجمهور. وقال الكلبي هي مكية.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

سورة الحديد مدنية...

وهي مدنية فيما قال النقاش وغيره بإجماع من المفسرين، وقال غيره مكية... ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا، لكن يشبه صدرها أن يكون مكيا، والله اعلم.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن بن أبي بلال، عن عِرْبَاض بن سارية، أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال: "إن فيهن آية أفضل من ألف آية". وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن بقية، به وقال الترمذي: حسن غريب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

مقصودها: بيان أن عموم الرسالة لعموم الإلهية بالبعث إلى الأزواج الثلاثة المذكورة في السورتين الماضيتين من الثقلين تحقيقا لأنه سبحانه مختص بجميع صفات الكمال تحقيقا لتنزهه عن كل شائبة نقص المبدوء به هذه السورة المختوم به ما قبلها الراد لقولهم "أئنا لمجموعون أو آباؤنا الأولون " المقتضي لجهاد من يحتاج إلى الجهاد ممن عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وما ترتب عليه من النفقة ردا لهم عن النقائص الجسمانية وإعلاء إلى الكمالات الروحانية التي دعا إليها الكتاب حذرا من سوء الحساب يوم التجلي للفصل بين العباد بالعدل...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة بجملتها دعوة للجماعة الإسلامية كي تحقق في ذاتها حقيقة إيمانها. هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله؛ فلا تضن عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئا.. لا الأرواح ولا الأموال؛ ولا خلجات القلوب ولا ذوات الصدور.. وهي الحقيقة التي تستحيل بها النفوس ربانية بينما تعيش على الأرض. موازينها هي موازين الله، والقيم التي تعتز بها وتسابق إليها هي القيم التي تثقل في هذه الموازين. كما أنها هي الحقيقة التي تشعر القلوب بحقيقة الله، فتخشع لذكره، وترجف وتفر من كل عائق وكل جاذب يعوقها عن الفرار إليه.

وعلى أساس هذه الحقيقة الكبيرة تدعو السورة الجماعة الإسلامية إلى البذل في سبيل الله. بذل النفس وبذل المال: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه. فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير، وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين. هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور، وإن الله بكم لرؤوف رحيم. وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله، ولله ميراث السماوات والأرض. لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا. وكلا وعد الله الحسنى. والله بما تعملون خبير).

وعلى أساس هذه الحقيقة الكبيرة كذلك تدعو الجماعة الإسلامية إلى الخشوع لذكر الله وللحق الذي أنزله الله ليجيء البذل ثمرة لهذا الخشوع المنبعث من الحقيقة الإيمانية الأولى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون)..

وكذلك تضع قيم الدنيا وقيم الآخرة في ميزان الحق؛ وتدعو الجماعة الإسلامية لاختيار الكفة الراجحة، والسباق إلى القيمة الباقية: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما. وفي الآخرة عذاب شديد، ومغفرة من الله ورضوان. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)..

وظاهر من سياق السورة -إلى جانب عمومية الدعوة الدائمة إلى تلك الحقيقة- أنها كانت تعالج كذلك حالة واقعة في الجماعة الإسلامية عند نزول هذه السورة في المجتمع المدني في فترة تمتد من العام الرابع الهجري إلى ما بعد فتح مكة.

فإلى جانب السابقين من المهاجرين والأنصار، الذين ضربوا أروع مثال عرفته البشرية، في تحقيق حقيقة الإيمان في نفوسهم، وفي البذل والتضحية بأرواحهم وأموالهم، في خلوص نادر، وتجرد كامل، وانطلاق من أوهاق الأرض وجوانب الغريزة ومعوقات الطريق إلى الله...

إلى جانب هذه الفئة الممتازة الفذة، كانت هناك -في الجماعة الإسلامية- فئة أخرى ليست في هذا المستوى الإيماني الخالص الرفيع -وبخاصة بعد الفتح عندما ظهر الإسلام، ودخل فيه الناس أفواجا، وكان من بينهم من لم يدركوا بعد حقيقة الإيمان الكبيرة، ولم يعيشوا بها ولها كما عاشت تلك الفئة السابقة الخالصة المخلصة لله.

هؤلاء المسلمون من الفئة الأخرى كان يصعب عليهم البذل في سبيل الله؛ وتشق عليهم تكاليف العقيدة في النفس والمال؛ وتزدهيهم قيم الحياة الدنيا وزينتها؛ فلا يستطيعون الخلاص من دعائها وإغرائها.

وهؤلاء- بصفة خاصة -هم الذين تهتف بهم هذه السورة تلك الهتافات الموحية التي أسلفنا نماذج منها، لتخلص أرواحهم من تلك الأوهاق والجواذب، وترفعها إلى مستوى الحقيقة الإيمانية الكبرى، التي تصغر معها كل قيم الأرض، وتذوب في حرارتها كل عوائقها!

كذلك كانت هنالك طائفة أخرى- غير هؤلاء وأولئك -هي طائفة المنافقين، مختلطة غير متميزة. وبخاصة حين ظهرت غلبة الإسلام، واضطر المنافقون إلى التخفي والانزواء؛ مع بقاء قلوبهم مشوبة غير خالصة ولا مخلصة يتربصون الفرص وتجرفهم الفتن. وهؤلاء تصور السورة مصيرهم يوم يميزون ويعزلون عن المؤمنين: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها. ذلك هو الفوز العظيم. يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: انظرونا نقتبس من نوركم. قيل: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ينادونهم: ألم نكن معكم؟ قالوا بلى! ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني، حتى جاء أمر الله، وغركم بالله الغرور. فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا، مأواكم النار هي مولاكم. وبئس المصير)..

وهذا إلى جانب من بقي في الجزيرة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى. والسورة تشير إلى شيء من أحوالهم ومواقفهم السابقة والحاضرة في ذلك الأوان؛ كالإشارة السابقة إلى قسوة قلوبهم عند تحذير الذين آمنوا أن يكونوا (كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم).. وهي إشارة إلى اليهود خاصة في الغالب.. وكالإشارة إلى النصارى قرب نهاية السورة في قوله: (ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله. فما رعوها حق رعايتها. فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم، وكثير منهم فاسقون)..

ولما كان مدار السورة على تحقيق حقيقة الإيمان في القلب؛ وما ينبثق عن هذه الحقيقة من خشوع وتقوى، ومن خلوص وتجرد، ومن بذل وتضحية، فقد سارت في إقرار هذه الحقيقة في النفوس التي كانت تواجهها- والتي توجد في كل مجتمع إسلامي -على نسق مؤثر، أشبه ما يكون بنسق السور المكية، حافل بالمؤثرات ذات الإيقاع الآسر للقلب والحس والمشاعر!

وكان مطلعها خاصة مجموعة إيقاعات بالغة التأثير؛ تواجه القلب البشري بمجموعة من صفات الله سبحانه. فيها تعريف به مع الإيحاء الآسر بالخلوص له، نتيجة للشعور بحقيقة الألوهية المتفردة، وسيطرتها المطلقة على الوجود، ورجعة كل شيء إليها في نهاية المطاف، مع نفاذ علمها إلى خبايا القلوب وذوات الصدور، واتجاه كل شيء إليها بالعبادة والتسبيح: (سبح لله ما في السماوات والأرض. وهو العزيز الحكيم. له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير. له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، وهو عليم بذات الصدور)..

وهذا المطلع بذاته وبإيقاعاته كاف وحده ليهز القلوب هزا. ويوقع فيها الرهبة والخشية والارتعاش، كما يوقع فيها الرغبة الحية في الخلوص لله والالتجاء إليه، والتجرد من العوائق والأثقال المعوقة عن تلبية الهتاف إلى الخلاص من الشح بالأنفس والأموال. ولكن سياق السورة تضمن كثيرا من المؤثرات تتخلل ذلك الهتاف وتؤكده في مواضع شتى. كتلك الصورة الوضيئة للمؤمنين والمؤمنات (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم).. وتلك الصورة التي تقرر ضآلة الحياة الدنيا وقيمها إلى جانب قيم الآخرة وما يتم فيها من الأمور الكبار.

كذلك جاءت لمسة أخرى ترد القلوب إلى حقيقة القدر المسيطرة على الوجود: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها. إن ذلك على الله يسير. لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم. والله لا يحب كل مختال فخور. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد.. كي تستقر النفس وتطمئن لما يصيبها من خير أو شر، وهي في طريقها إلى الله. فلا تطير جزعا، ولا تبطر فرحا، وهي تواجه الضراء والسراء. ولا تشرك بالله سببا ولا ظرفا ولا حادثا. فكله بقدر مقسوم لأجل معلوم. ومرد الأمر كله في النهاية إلى الله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه السورة تسمى في عهد الصحابة {سورة الحديد}، فقد وقع في حديث إسلام عمر بن الخطاب عند الطبراني والبزاز أن عمر دخل على أخته قبل أن يسلم فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد فقرأه حتى بلغ {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} فأسلم، وكذلك سميت في المصاحف وفي كتب السنة، لوقوع لفظ {الحديد} فيها في قوله تعالى {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد}.

وهذا اللفظ وإن ذكر في سورة الكهف في قوله تعالى {آتوني زبر الحديد} وهي سابقة في النزول على سورة الحديد على المختار، فلم تسم به لأنها سميت باسم الكهف للاعتناء بقصة أهل الكهف، ولأن الحديد الذي ذكر هنا مراد به حديد السلاح من سيوف ودروع وخوذ، تنويها به إذا هو أثر من آثار حكمة الله في خلق مادته وإلهام الناس صنعه لتحصل به منافع لتأييد الدين ودفاع المعتدين كما قال تعالى {فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب}.

وفي كون هذه السورة مدنية أو مكية اختلاف قوي لم يختلف مثله في غيرها، فقال الجمهور: مدنية. وحكى ابن عطية عن النقاش: أن ذلك إجماع المفسرين، وقد قيل: إن صدرها مكي لما رواه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن مسعود أنه قال ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلى قوله {وكثير منهم فاسقون} إلا أربع سنين. عبد الله بن مسعود [من] أول الناس إسلاما، فتكون هذه الآية مكية.

وهذا يعارضه ما رواه ابن مردويه عن أنس وابن عباس: أن نزول هذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة من ابتداء نزول القرآن، فيصار إلى الجمع بين الروايتين أو الترجيح، ورواية مسلم وغيره عن ابن مسعود أصح سندا، وكلام ابن مسعود يرجح على ما روي عن أنس وابن عباس لأنه أقدم إسلاما وأعلم بنزول القرآن، وقد علمت آنفا أن صدر هذه السورة كان مقروءا قبل إسلام عمر بن الخطاب. قال ابن عطية يشبه صدرها أن يكون مكيا والله أعلم، ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا اهـ.

وروي أن نزولها كان يوم ثلاثاء استنادا إلى حديث ضعيف رواه الطبراني عن ابن عمر ورواه الديلمي عن جابر بن عبد الله.

وأقول الذي يظهر أن صدرها مكي كما توسمه ابن عطية وأن ذلك ينتهي إلى قوله {وإن الله بكم لرؤوف رحيم} وأن ما بعد ذلك بعضه نزل بالمدينة كما تقتضيه معانيه مثل حكاية أقوال المنافقين، وبعضه نزل بمكة مثل آية {ألم يأن للذين آمنوا} الآية كما في حديث مسلم. ويشبه أن يكون آخر السورة قوله {إن الله قوي عزيز} نزل بالمدينة ألحق بهذه السورة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم في خلالها أو في آخرها.

قلت: وفيها آية {لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح} الآية، وسواء كان المراد بالفتح في تلك الآية فتح مكة أو فتح الحديبية. فإنه أطلق عليه اسم الفتح وبه سميت {سورة الفتح}، فهي متهينة لأن تكون مدنية، فلا ينبغي الاختلاف في أن معظم السورة مدني...

وورد في فضلها مع غيرها من السور المفتتحة بالتسبيح ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول: إن فيهن آية أفضل من ألف آية. وقال الترمذي حديث حسن غريب.

وظن ابن كثير أن الآية المشار إليها في حديث العرباض هي قوله تعالى {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} لما ورد في الآثار من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها.

أغراضها:

الأغراض التي اشتملت عليها هذه السورة: التذكير بجلال الله تعالى، وصفاته العظيمة، وسعة قدرته وملكوته، وعموم تصرفه، ووجوب وجوده، وسعة علمه، والأمر بالإيمان بوجوده، وبما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أنزل عليه من الآيات البينات.

والتنبيه لما في القرآن من الهدي وسبيل النجاة، والتذكير برحمة الله ورأفته بخلقه.

والتحريض على الإنفاق في سبيل الله، وأن المال عرض زائل لا يبقى منه لصاحبه إلا ثواب ما انفق منه في مرضاة الله.

والتخلص إلى ما أعد الله للمؤمنين والمؤمنات يوم القيامة من خير وضد ذلك للمنافقين والمنافقات.

وتحذير المسلمين من الوقوع في مهواة قساوة القلب التي وقع فيها أهل الكتاب من قبلهم من إهمال ما جاءهم من الهدى حتى قست قلوبهم وجر ذلك إلى الفسوق كثيرا منهم.

والتذكير بالبعث.

والدعوة إلى قلة الاكتراث بالحياة الفانية.

والأمر بالصبر على النوائب والتنويه بحكمة إرسال الرسل والكتب لإقامة أمور الناس على العدل العام.

والإيماء إلى فضل الجهاد في سبيل الله.

وتنظير رسالة محمد صلى الله عليه وسلم برسالة نوح وإبراهيم عليهما السلام على أن في ذريتهما مهتدين وفاسقين.

وأن الله أتبعهما برسل آخرين منهم عيسى عليه السلام الذي كان آخر رسول أرسل بشرع قبل الإسلام، وأن أتباعه كانوا على سنة ن سبقهم، منهم مؤمن ومنهم كافر.

ثم أهاب بالمسلمين أن يخلصوا الإيمان تعريضا بالمنافقين ووعدهم بحسن العاقبة وأن الله فضلهم على الأمم لأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

... نستطيع أن نقسّم موضوعات هذه السورة إلى سبعة أقسام:

الأوّل: الآيات الأولى من هذه السورة لها بحث جامع ولطيف حول التوحيد وصفات الله تعالى، وتذكّر ما يقرب من عشرين صفة من الصفات الإلهية، حيث تجعل الإنسان المدرك لها في مستوى عال من المعرفة الإلهيّة.

الثاني: يتحدّث عن عظمة القرآن، هذا النور الإلهي الذي أشرق في ظلمات الشرك.

الثالث: يستعرض وضع المؤمنين والمنافقين في يوم القيامة، حيث إنّ القسم الأوّل يأخذ طريقه إلى الجنّة في ظلّ نور إيمانهم، والقسم الثاني يبقى في ظلمات الشرك والكفر، وبهذا تعكس السورة في أبحاثها الأصول الإسلامية الثلاثة: التوحيد والنبوّة والمعاد.

الرابع: تتحدّث الآيات فيه عن الدعوى إلى الإيمان والخروج من الشرك، وعن مصير الأقوام الضالّة من الأمم السابقة. الخامس: جزء مهمّ من هذه السورة يتحدّث حول الإنفاق في سبيل الله، وخصوصاً في تقوية أسس الجهاد في سبيل الله، وأنّ مال الدنيا ليس له وزن وقيمة.

السادس: في قسم قصير من الآيات إلاّ أنّه واف ومستدلّ يأتي الحديث عن العدالة الاجتماعية والتي هي إحدى الأهداف الأساسية للأنبياء.

السابع: وفيه تتحدّث الآيات عن سلبية الرهبانية والانزواء الاجتماعي وأنّ ذلك يمثّل ابتعادا عن الخطّ الإسلامي.

ومن الطبيعي أنّ بين ثنايا هذه البحوث وردت نقاط أخرى متناسبة شكلت في النهاية مجموعة اتجاهات بنّاءة في مجال الإيقاظ والهداية...

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{سبح لله ما في السماوات} يعني ذكر الله الملائكة وغيرهم والشمس والقمر والنجوم {و} ما في {والأرض} من الجبال، والبحار، والأنهار، والأشجار، و الدواب، والطير، والنبات، وما بينهما يعني الرياح، والسحاب، وكل خلق فيهما، ولكن لا تفقهون تسبيحهم {وهو العزيز} في ملكه {الحكيم} في أمره...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"سَبّحَ لِلّهِ ما في السّمَوَاتِ والأرْضِ "أن كلّ ما دونه من خلقه يسبحه تعظيما له، وإقرارا بربوبيته، وإذعانا لطاعته، كما قال جلّ ثناؤه: "تُسَبّحُ لَهُ السّمَوَاتُ السّبْعُ والأرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقُهُونَ تَسْبِيحَهُمْ".

وقوله: "وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" يقول: ولكنه جلّ جلاله العزيز في انتقامه ممن عصاه، فخالف أمره مما في السموات والأرض من خلقه.

"الحَكِيمُ" في تدبيره أمرهم، وتصريفه إياهم فيما شاء وأحبّ.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

جاء في بعض الفواتح {سَبّحَ} على لفظ الماضي، وفي بعضها على لفظ المضارع، وكل واحد منهما معناه: أنّ من شأن من أسند إليه التسبيح أن يسبحه، وذلك هجيراه وديدنه، وقد عدى هذا الفعل باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله تعالى: {وتسبحوه} [الفتح: 9] وأصله: التعدي بنفسه، لأنّ معنى سبحته: بعدته عن السوء، منقول من سبح إذا ذهب وبعد، فاللام لا تخلو إما أن تكون مثل اللام في: نصحته، ونصحت له، وإما أن يراد بسبح لله: أحدث التسبيح لأجل الله ولوجهه خالصاً...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قال أكثر المفسرين: التسبيح هنا هو التنزيه المعروف في قولهم: سبحان الله، وهذا عندهم إخبار بصيغة الماضي مضمنه الدوام أن التسبيح مما ذكر دائم مستمر، واختلفوا هل هذا التسبيح حقيقة أو مجاز على معنى أثر الصنعة فيها تنبه الرائي على التسبيح، فقال الزجاج وغيره: والقول بالحقيقة أحسن، وقد تقدم القول فيه غير مرة، وهذا كله في الجمادات، وأما ما يمكن التسبيح منه فقول واحد إن تسبيحهم حقيقة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المسألة الأولى: التسبيح تبعيد الله تعالى من السوء، وكذا التقديس من سبح في الماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد.

واعلم أن التسبيح عن السوء يدخل فيه تبعيد الذات عن السوء، وتبعيد الصفات وتبعيد الأفعال، وتبعيد الأسماء وتبعيد الأحكام... المسألة الثانية: جاء في بعض الفواتح {سبح} على لفظ الماضي، وفي بعضها على لفظ المضارع، وذلك إشارة إلى أن كون هذه الأشياء مسبحة غير مختص بوقت دون وقت، بل هي كانت مسبحة أبدا في الماضي، وتكون مسبحة أبدا في المستقبل، وذلك لأن كونها مسبحة صفة لازمة لماهياتها... والله أعلم...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه، أن جميع ما في السماوات والأرض من الحيوانات الناطقة والصامتة وغيرها، والجوامد تسبح بحمد ربها... {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوقات العلوية والسفلية لربها، في جميع أحوالها، وعموم عزته وقهره للأشياء كلها، وعموم حكمته في خلقه وأمره.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

..لا حاجة لتأويل النص عن ظاهر مدلوله. فالله يقول. ونحن لا نعلم شيئا عن طبيعة هذا الوجود وخصائصه أصدق مما يقوله لنا الله عنه.. (سبح لله ما في السماوات والأرض) تعني سبح لله ما في السماوات والأرض.. ولا تأويل ولا تعديل! ولنا أن نأخذ من هذا أن كل ما في السماوات والأرض له روح، يتوجه بها إلى خالقه بالتسبيح وإن هذا لهو أقرب تصور يصدقه ما وردت به الآثار الصحيحة...

وقد جاء في القرآن الكريم: (يا جبال أوبي معه والطير).. فإذا الجبال كالطير تؤوب مع داود! وجاء في الأثر: أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: "إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت. إني لأعرفه الآن".. وروى الترمذي -بإسناده- عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قال: كنت مع رسول الله بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول: " السلام عليك يا رسول الله".. وروى البخاري في صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك قال: " خطب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى لزق جذع. فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه حن الجذع حنين الناقة، فنزل الرسول فمسحه، فسكن".. وآيات القرآن كثيرة وصريحة في تقرير هذه الحقيقة الكونية: (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه).. (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس).. (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).. ولا داعي لتأويل هذه النصوص الصريحة لتوافق مقررات سابقة لنا عن طبائع الأشياء غير مستمدة من هذا القرآن. فكل مقرراتنا عن الوجود وكل تصوراتنا عن الكون ينبغي أن تنبع أولا من مقررات خالق هذا الكون ومبدع هذا الوجود. (وهو العزيز الحكيم).. فتسبيح ما في السماوات والأرض له فرع عن العزة الغالبة والحكمة البالغة. فهو المهيمن على كل شيء بقوته، وهو جاعل كل شيء وفق حكمته.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

افتتاح السورة بذكر تسبيح الله وتنزيهه مؤذن بأن أهم ما اشتملت عليه إثبات وصف الله بالصفات الجليلة المقتضية أنه منزّه عما ضل في شأنه أهل الضلال من وصفه بما لا يليق بجلاله، وأول التنزيه هو نفي الشريك له في الإِلهية فإن الوحدانية هي أكبر صفة ضل في كنهها المشركون والمانوية ونحْوهم من أهل التثنية وأصحاب التثليث والبراهمة، وهي الصفة التي ينبئ عنها اسمه العَلَم أعني « الله» لما علمت في تفسير الفاتحة من أن أصله الإِله، أي المنفرد بالإِلهية.

وأتبع هذا الاسم بصفات ربانية تدل على كمال الله تعالى وتنزّهُهُ عن النقص كما يأتي بيانه فكانت هذه الفاتحة براعة استهلال لهذه السورة، ولذلك أتبع اسمهُ العلَم بعشر صفات هي جامعة لصفات الكمال وهي: العزيز، الحكيم، له ملك السماوات والأرض، يحيي، ويميت، وهو على كل شيء قدير، هو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، وهو بكل شيء عليم.

وصيغ فعل التسبيح بصيغة الماضي للدلالة على أن تنزيهه تعالى أمر مقرر أمر الله به عباده من قبل وألهمه الناس وأودعَ دلائله في أحوال ما لا اختيار له، كما دل عليه قوله تعالى: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال} [الرعد: 15] وقوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44].

ففي قوله: {سبح} تعريض بالمشركين الذين أهملوا أهم التسبيح وهو تسبيحه عن الشريك والند.

واللام في قوله: {لله} لام التبيين. وفائدتها زيادة بيان ارتباط المعمول بعامله لأن فعل التسبيح متعدَ بنفسه لا يحتاج إلى التعدية بحرف، قال تعالى: {فاسجد له وسبحه} [الإنسان: 26]، فاللام هنا نظيره اللام في قولهم: شكرتُ لك، ونصحتُ لك، وقوله تعالى: {ونقدس لك} [البقرة: 30]، وقولهم سَقْيا لك ورعيا لك، وأصله: سقَيَك ورَعْيَك.

و {ما في السموات والأرض} يعم الموجودات كلها فإن {ما} اسم موصول يعمّ العقلاء وغيرهم، أو هو خاص بغير العقلاء فجرى هنا على التغليب، وكلها دال على تنزيه الله تعالى عن الشريك فمنها دلالة بالقول كتسبيح الأنبياء والمؤمنين، ومنها دلالة بالفعل كتسبيح الملائكة، ومنها دلالة بشهادة الحال كما تنبئ به أحوال الموجودات من الافتقار إلى الصانع المنفرد بالتدبير، فإن جُعل عموم {ما في السموات والأرض} مخصوصاً بمن يتأتى منهم النطق بالتسبيح وهم العقلاء كان إطلاق التسبيح على تسبيحهم حقيقة.

وإن حمل العموم على ظاهره لزم تأويل فعل {سبح} بما يشمل الحقيقة والمجاز فيكون مستعملاً في حقيقته ومجازه.

والعزيز: الذي لا يغلب، وهذا الوصف ينفي وجود الشريك في الإِلهية.

و {الحكيم} الموصوف بالحكمة، وهي وضع الأفعال حيثُ يليق بها، وهي أيضاً العلم الذي لا يخطئ ولا يتخلف ولا يحول دون تعلقه بالمعلومات حائل، وتقدما في سورة البقرة. وهذا الوصف يثبت أن أفعاله تعالى جارية على تهيئة المخلوقات لما به إصابة ما خُلقت لأجله، فلذلك عززها الله بإرشاده بواسطة الشرائع.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{وهو العزيز الحكيم}، إشارة إلى الصفة التي جعلت الحق سبحانه هو وحده المستحق لأن يكون منزها معظما مطاعا من كافة خلقه، فهو سبحانه الذي خضع كل شيء لعزته، وهو الذي تجلى في تقديره وتدبيره وتشريعه بالغ علمه وحكمته.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وهي عشرون وتسع آيات

{ سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } ذكر تفسيرها في قوله { وإن من شيء إلا يسبح بحمده }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية في قول الجميع ، وهي تسع وعشرون آية

عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول : ( إن فيهن آية أفضل من ألف آية ) يعني بالمسبحات " الحديد " و " الحشر " و " الصف " و " الجمعة " و " التغابن " .

قوله تعالى : " سبح لله ما في السماوات والأرض " أي مجد الله ونزهه عن السوء . وقال ابن عباس : صلى لله " ما في السموات " ممن خلق من الملائكة " والأرض " من شيء فيه روح أولا روح فيه . وقيل : هو تسبيح الدلالة . وأنكر الزجاج هذا وقال : لو كان هذا تسبيح الدلالة وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة ، فلم قال : " ولكن لا تفقهون تسبيحهم{[14695]} " [ الإسراء : 44 ] وإنما هو تسبيح مقال . واستدل بقوله تعالى : " وسخرنا مع داود الجبال يسبحن{[14696]} " [ الأنبياء : 79 ] فلو كان هذا تسبيح دلالة فأي تخصيص لداود ؟ !

قلت : وما ذكره هو الصحيح ، وقد مضى بيانه والقول فيه في " الإسراء{[14697]} " عند قوله تعالى : " وإن من شيء إلا يسبح بحمده " [ الإسراء : 44 ] " وهو العزيز الحكيم " .


[14695]:راجع جـ 10 ص 266.
[14696]:راجع جـ 11 ص 307.
[14697]:راجع جـ 10 ص 266 فما بعد.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحديد

مدنية وآياتها 29 نزلت بعد الزلزلة

{ سبح لله ما في السموات والأرض } هذا التسبيح المذكور هنا وفي أوائل سائر السور المسبحات يحتمل أن يكون حقيقة أو أن يكون بلسان الحال لأن كل ما في السموات والأرض دليل على وجود الله وقدرته وحكمته والأول أرجح لقوله : { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } [ الإسراء : 44 ] ، وذكر التسبيح هنا وفي الحشر والصف بلفظ الماضي ، وفي الجمعة والتغابن بلفظ المضارع ، وكل واحد منهما يقتضي الدوام .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحديد{[1]}

مقصودها بيان أن عموم الرسالة لعموم الإلهية بالبعث [ إلى{[2]} ] الأزواج الثلاثة المذكورة في السورتين الماضيتين من الثقلين تحقيقا لأنه سبحانه مختص بجميع صفات الكمال تحقيقا لتنزهه عن {[3]}كل شائبة{[4]} نقص المبدوء به هذه السورة المختوم به ما قبلها الراد لقولهم " أئنا لمجموعون أو آباؤنا الأولون " المقتضى لجهاد{[5]} من يحتاج إلى الجهاد ممن عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وما ترتب عليه من النفقة ردا لهم عن النقائص الجسمانية وإعلاء إلى الكمالات الروحانية التي دعا إليها الكتاب حذرا من سواء الحساب يوم التجلي للفصل بين العباد [ بالعدل{[6]}- ] ليدخل أهل الكتاب وغيرهم في الدين طوعا أو كرها . ويعلم أهل الكتاب الذين كانوا يقولون : ليس أحدا فضل منهم ، فضيلة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم على جميع من تقدمه من الرسل عليهم الصلاة والسلام بعموم رسالته وشمول خلافته ، وانتشار دعوته وكثرة أمته تحقيقا لأنه لا حد لفائض رحمته{[7]} سبحانه لتكون هذه السورة التي هي آخر النصف الأول والتي بعدها التي هي أول النصف الثاني من حيث العدد غاية للمقصود من السورة التي هي أوله عند الالتفات والرد كما كانت السورة التي{[8]} غاية النصف الأول{[9]} في المقدار وهي الإسراء ، وكذا السورة التي{[10]} هي أول النصف الثاني وهي الكهف كاشفتين لمقصد الأولى فيما دعت إليه من الهداية وشدت إليه من الإنذار ، على ذلك دل اسمها الحديد بتأمل آياته وتدبر سر ما ذكر فيه وغاياته . أسند صاحب الفردوس{[11]} عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت يوم الثلاثاء . ( بسم الله ) الذي أحاطت إلهيته بجميع الموجودات ( الرحمن ) الذي وسعهم جوده في جميع{[12]} الحركات والسكنات ( الرحيم ) الذي خص من بينهم بما له من الاختيار في كمال الاقتدار أهل ولايته بما يرضيه من العبادات .

لما ختمت الواقعة بالأمر بتنزيهه عما أنكره الكفرة من البعث ، جاءت هذه لتقرير ذلك التنزيه و{[62336]}تبيينه بالدليل والبرهان والسيف والسنان فقال تعالى كالتعليل لآخر الواقعة : { سبح } أي أوقع التسبيح بدلالة الجبلة تعظيماً له سبحانه وإقراراً بربوبيته وإذعاناً لطاعته ، وقصره ، وهو متعد ليدل على العموم بقصره ، وعلى الإخلاص بتعديته باللام وجعله ماضياً هنا وفي الحشر والصف ومضارعاً في الجمعة والتغابن ليدل على أن مما أسند إليه التسبيح هو{[62337]} من شأنه وهجيراه وديدنه وتخصيص كل من الماضي والمضارع بما افتتح به لما يأتي في{[62338]} أول الجمعة ، والإتيان بالمصدر أول الإسراء أبلغ من حيث إنه يدل إطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء{[62339]} وفي كل حال { لله } أي الملك المحيط بجميع صفات الكمال { ما في السماوات } أي الأجرام العالية والذي فيها وهي الأرض ومن فيها وكل سماء ومن فيها ، وما بينهما لأنها كلها في العرش الذي هو أعلى الخلق .

ولما كان الكلام آخر الواقعة مع أهل الخصوص بل هو أخص أهل الخصوص ، لم يحتج إلى تأكيد فحذف ما جعلا للخافقين كشيء واحد لأن نظره لهما نظر علو نظراً واحداً لما أخبر به عنهما من التنزيه فقال : { والأرض * } أي وما فيها وكذا نفس{[62340]} الأراضي كما تقدم ، فشمل ، ذلك جميع الموجودات لأنه إذا سبح ذلك كله فتسبيح العرش بطريق الأولى وتنزيه هذه الأشياء بما فيها من الآيات الدالة على أنه سبحانه لا يلم بجنابه شائبة نقص ، وأن كل شيء واقف على الباب يشاهد الطلب ، قال القشيري : التسبيح : التقديس والتنزيه ، ويكون بمعنى سباحة الأسرار في بحار الإجلال ، فيظفرون بجواهر التوحيد ، وينظمونها في عقد الإيمان ، ويرصعونها في أطواق الوصلة .

ولما قرر ذلك ، دل على أنه لا قدرة لشيء على الانفكاك عنه ، وأن له كل كمال ، فهو المستحق للتسبيح والحمد فقال : { وهو } أي وحده { العزيز } الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء { الحكيم * } الذي أتقن كل شيء صنعه .

وقال الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير العاصمي في برهانه : لما تقدم قوله سبحانه{[62341]} وتعالى { فلولا تصدقون }[ الواقعة : 57 ] وفيه من التقريع والتوبيخ لمن قرع به ما لا خفاء به ، ثم اتبع بقوله تعالى { أفرءيتم ما تمنون }[ الواقعة : 58 ] الآيات إلى قوله

{ ومتاعاً للمقوين }[ الواقعة : 73 ] فعزروا ووبخوا على سوء جهلهم وقبح ضلالهم ، ثم قال سبحانه وتعالى بعد ذلك { أبهذا الحديث أنتم مدهنون }[ الواقعة : 81 ] واستمر توبيخهم{[62342]} إلى قوله :{ إن كنتم صادقين }[ الواقعة : 87 ] فلما أشارت هذه الآيات إلى قبائح مرتكباتهم ، أعقب تعالى ذلك{[62343]} تنزيهه عز وجل عن سوء ما انتحلوه و{[62344]}ضلالهم فيما{[62345]} جهلوه فقال تعالى

{ فسبح باسم ربك }[ الواقعة : 69 ] أي نزهه عن عظيم ضلالهم وسوء اجترائهم ، ثم أعقب ذلك بقوله { سبح لله ما في السماوات والأرض } أي سبح باسم ربك ، فهي سنة العالم بأسرهم

( وله أسلم من في السماوات والأرض }[ آل عمران : 83 ] { سبح لله ما في السماوات والأرض } ثم أتبع ذلك بقوله : { له الملك وله الحمد } فبين تعالى انفراده بصفة الجلال ونعوت الكمال ، وأنه المتفرد بالملك والحمد{[62346]} وأنه الأول والآخر والظاهر والباطن إلى قوله : { وهو عليم بذات الصدور } فتضمنت هذه الآيات إرغام من أشير إلى حاله في الآية المتقدمة من سورة الواقعة وقطع ضلالهم والتعريف بما جهلوه من صفاته العلى وأسمائه الحسنى جل وتعالى ، وافتتحت آي السورتين واتصلت معانيها ثم صرف الخطاب إلى عباده المؤمنين فقال تعالى { آمنوا بالله ورسوله } واستمرت الآي على خطابهم إلى آخر السورة - انتهى .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[12]:- ليس في م.
[62336]:- زيد من ظ.
[62337]:- في ظ: هنا.
[62338]:- زيد من ظ.
[62339]:- زيد من ظ.
[62340]:- من ظ، وفي الأصل: تنزيهه.
[62341]:- زيد من ظ.
[62342]:- من ظ، وفي الأصل: توبيخه.
[62343]:-زيد من ظ.
[62344]:- من ظ، وفي الأصل: ضلال ما.
[62345]:- من ظ، وفي الأصل: ضلال ما.
[62346]:- زيد من ظ.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

{ سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }

{ سبَّح لله ما في السماوات والأرض } أي نزهه كل شيء فاللام مزيدة وجيء بما دون من تغليباً للأكثر { وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية وقيل مكية وآياتها تسع وعشرون . وقد جاءت متضمنة كثيرا من مختلف المعاني والأخبار والحجج . منها التأكيد على وحدانية الله وجلال قدره وعظيم سلطانه وجبروته ، وأنه سبحانه { الأول والآخر والظاهر والباطن } لا جرم أن هذه الآية بعظيم مدلولها تذكّر بأن الله له ملكوت كل شيء وأن قدرته وعلمه وسلطانه محيط بكل شيء .

وفي السورة بيان بحال المؤمنين السعداء يوم القيامة ، وحال المنافقين المذعورين المستيئسين يومئذ ، وما يضربه الله بين الفريقين من سور فاصل بينهما ظاهره فيه الرحمة وباطنه يفضي إلى العذاب .

وفي السورة تحذير شديد للمؤمنين أن تقسو قلوبهم فيغشاها ركام من الزيغ والرّان والغفلة ، كما قست قلوب أهل الكتاب لما طال عليهم الأمد فبدّلوا كتاب الله تبديلا .

وفيها كذلك تحذير للمؤمنين من الاغترار بالدنيا كيلا تلهيهم وتزيغ بها قلوبهم ، وما الدنيا إلا سحابة غيم تمطر الزرع فينمو ويهيج ويعجب به الناس ثم يصفر ويذبل ثم يصير هشيما تدوسه الدواب والأنعام وتذروه الرياح السوافي .

وفي السورة تذكير بأهمية الحديد الذي سميت به السورة فمن الحديد تصنع آلالات الحرب ليرد بها المسلمون كيد المعتدين الظالمين بعد أن لم تفلح معهم أساليب الحكمة والموعظة والبرهان . إلى غير ذلك من جليل المعاني والمواعظ .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ سبّح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم 1 له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير 2 هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } .

ذلك إخبار من الله حق بأن الوجود كله وما فيه من أجسام وأجرام ونبات وحيوان ، يسبح بحمد ربه ولكن الناس لا يعلمون كيف يسبح . ذلك أن الله خالق كل شيء وأن قدرته وعلمه وسلطانه محيط بالكون كله .

فقال سبحانه : { سبّح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } كل شيء يسبح بحمد الله ولا نفقه كيف يسبح الخلق من غير بني آدم . وهو سبحانه العزيز ، أي القوي ، المنيع الجانب الذي لا يغلبه غالب ، المنتقم من المدبرين عن طاعته وعبادته . وهو سبحانه الحكيم ، في تدبيره وتقديره وشرعه وأمره كله .