تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

عدّتهم : عددهم .

فتنة : اختبار وامتحان .

ذكرى : تذكرة وموعظة للناس .

وما جعلْنا خزنةَ النار إلا ملائكةً تقدَّم وصفُهم بالشِدة والغِلظة ، وما جعلنا عِدَّتَهم تسعةَ عشر إلا فتنةً واختبارا للذين كفروا ، وذلك { لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } .

ليحصل اليقينُ لليهود والنصارى بنبوة محمدٍ لموافقةِ ما جاءَ في القرآن لكتُبهم ، فقد شهِدَ عددٌ من علماءِ اليهود والنصارى آنذاك أن عدَّةَ الخزنة تسعةَ عشر .

{ وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَاناً } .

ولكيَ تطمئن قلوبُهم بذلك ، ولا يشكّ أهلُ التوراة والإنجيل والمؤمنون بالله في حقيقةِ ذلك العدد .

{ وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً } .

وليقول المنافقون والمشركون الكافرون : ما الذي أراده اللهُ بهذا العدَدِ المستغرَبِ استغرابَ المثل ؟

{ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } .

والله تعالى كما أضلَّ المنافقين والمشركين يُضِلُّ مِنْ خلْقه من يشاءُ فيخذُله عن إصابة الحق ، ويهدي من يشاء منهم فيوفّقه إلى الخيرِ والهدى . وما يعلم جنودَ ربّك ومقدارهم إلا هو سبحانَه وتعالى . { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ } وما سَقَرُ إلا تذكرة للبشَر وتخويفٌ لهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً } وذلك لشدتهم وقوتهم . { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } يحتمل أن المراد : إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة ، ولزيادة نكالهم فيها ، والعذاب يسمى فتنة ، [ كما قال تعالى : { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ] ويحتمل أن المراد : أنا ما أخبرناكم بعدتهم ، إلا لنعلم من يصدق ومن يكذب ، ويدل على هذا ما ذكر بعده في قوله : { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } فإن أهل الكتاب ، إذا وافق ما عندهم وطابقه ، ازداد يقينهم بالحق ، والمؤمنون كلما أنزل الله آية ، فآمنوا بها وصدقوا ، ازداد إيمانهم ، { وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ } أي : ليزول عنهم الريب والشك ، وهذه مقاصد جليلة ، يعتني بها أولو الألباب ، وهي السعي في اليقين ، وزيادة الإيمان في كل وقت ، وكل مسألة من مسائل الدين ، ودفع الشكوك والأوهام التي تعرض في مقابلة الحق ، فجعل ما أنزله الله على رسوله محصلا لهذه الفوائد{[1285]}  الجليلة ، ومميزا للكاذبين من الصادقين ، ولهذا قال : { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي : شك وشبهة ونفاق . { وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا } وهذا على وجه الحيرة والشك ، والكفر منهم بآيات الله ، وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه ، وإضلاله لمن يضل ولهذا قال :

{ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } فمن هداه الله ، جعل ما أنزله الله على رسوله رحمة في حقه ، وزيادة في إيمانه ودينه ، ومن أضله ، جعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة ، وظلمة في حقه ، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم ، فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم { إلَّا هُوَ } فإذا كنتم جاهلين بجنوده ، وأخبركم بها العليم الخبير ، فعليكم أن تصدقوا خبره ، من غير شك ولا ارتياب ، { وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } أي : وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا به العبث واللعب ، وإنما المقصود به أن يتذكر [ به ] البشر ما ينفعهم فيفعلونه ، وما يضرهم فيتركونه .


[1285]:- في ب: المقاصد.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

{ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } لا رجالا فمن ذا يغلب الملائكة { وما جعلنا عدتهم } عددهم في القلة { إلا فتنة للذين كفروا } لأنهم قالوا ما أعوان محمد إلا تسعة عشر { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } ليعلموا أن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم موافق لما في كتبهم { ويزداد الذين آمنوا } لأنهم يصدقون بما أتى به الرسول عليه السلام وبعدد خزنة النار { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } أي لا يشكون في أن عددهم على ما أخبر به محمد عليه السلام

32 45 { وليقول الذين في قلوبهم مرض } شك { والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } أي شيء أراد الله بهذا العدد وتخصيصه { كذلك } كما أضلهم الله بتكذيبهم { يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو } هذا جواب لقولهم ما أعوانه إلا تسعة عشر { وما هي } أي النار { إلا ذكرى للبشر } أي إنها تذكرهم في الدنيا النار في الآخرة

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

" وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة " أي لم نجعلهم رجالا فتتعاطون مغالبتهم . وقيل : جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة ، ولا يستروحون إليهم ، ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له ، فتؤمن هوادتهم ؛ ولأنهم أشد خلق الله بأسا وأقواهم بطشا . " وما جعلنا عدتهم إلا فتنة " أي بلية . وروي عن ابن عباس من غير وجه قال : ضلالة للذين كفروا ، يريد أبا جهل وذويه . وقيل : إلا عذابا ، كما قال تعالى : " يوم هم على النار يفتنون . ذوقوا فتنتكم " [ الذاريات : 14 ] . أي جعلنا ذلك سبب كفرهم وسبب العذاب . وفي " تسعة عشر " سبع قراءات{[15589]} : قراءة العامة " تسعة عشر " . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن سليمان " تسعة عشر " بإسكان العين . وعن ابن عباس " تسعة عشر " بضم الهاء . وعن أنس بن مالك " تسعة وعشر " وعنه أيضا " تسعة وعشر " . وعنه أيضا " تسعة أعشر " ذكرها المهدوي وقال : من قرأ " تسعة عشر " أسكن العين لتوالي الحركات . ومن قرأ " تسعة وعشر " جاء به على الأصل قبل التركيب ، وعطف عشرا على تسعة ، وحذف التنوين لكثرة الاستعمال ، وأسكن الراء من عشر على نية السكوت عليها . ومن قرأ " تسعة عشر " فكأنه من التداخل ؛ كأنه أراد العطف وترك التركيب ، فرفع هاء التأنيث ، ثم راجع البناء وأسكن . وأما " تسعة أعشر " : فغير معروف ، وقد أنكرها أبو حاتم . وكذلك " تسعة وعشر " لأنها محمولة على " تسعة أعشر " والواو بدل من الهمزة ، وليس لذلك وجه عند النحويين . الزمخشري : وقرئ : " تسعة أعشر " جمع عشير ، مثل يمين وأيمن .

قوله تعالى : " ليستيقن الذين أوتوا الكتاب " أي ليوقن الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم ، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم . ثم يحتمل أنه يريد الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام . ويحتمل أنه يريد الكل . ويزداد الذين آمنوا إيمانا " بذلك ؛ لأنهم كلما صدقوا بما في كتاب الله آمنوا ، ثم ازدادوا إيمانا لتصديقهم بعدد خزنة جهنم . " ولا يرتاب " أي ولا يشك " الذين أوتوا الكتاب " أي أعطوا الكتاب " والمؤمنون " أي المصدقون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر . " وليقول الذين في قلوبهم مرض " أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل المدينة ، الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ولم يكن بمكة نفاق وإنما نجم بالمدينة . وقيل : المعنى ، أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة . " والكافرون " أي اليهود والنصارى " ماذا أراد الله بهذا مثلا " يعني بعدد خزنة جهنم . وقال الحسين بن الفضل : السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق ، فالمرض في هذه الآية الخلاف و " الكافرون " أي مشركو العرب . وعلى القول الأول أكثر المفسرين . ويجوز أن يراد بالمرض : الشك والارتياب ؛ لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين ، وبعضهم قاطعين بالكذب وقوله تعالى إخبارا عنهم : " ماذا أراد الله " أي ما أراد " بهذا " العدد الذي ذكره حديثا ، أي ما هذا من الحديث . قال الليث : المثل الحديث ، ومنه : " مثل الجنة التي وعد المتقون " أي حديثها والخبر عنها " كذلك " أي كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم " يضل الله " أي يخزي ويعمي " من يشاء ويهدي " أي ويرشد " من يشاء " كإرشاد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : " كذلك يضل الله " عن الجنة " من يشاء ويهدي " إليها " من يشاء " . " وما يعلم جنود ربك إلا هو " أي وما يدري عدد ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار " إلا هو " أي إلا الله جل ثناؤه وهذا جواب لأبي جهل حين قال : أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ! وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم غنائم حنين ، فأتاه جبريل فجلس عنده ، فأتى ملك فقال : إن ربك يأمرك بكذا وكذا ، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون شيطانا ، فقال : ( يا جبريل أتعرفه ) ؟ فقال : هو ملك وما كل ملائكة ربك أعرف . وقال الأوزاعي : قال موسى : " يا رب من في السماء ؟ قال ملائكتي . قال كم عدتهم يا رب ؟ قال : اثني عشر{[15590]} سبطا . قال : كم عدة كل سبط ؟ قال : عدد التراب " ذكرهما الثعلبي . وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أطت{[15591]} السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا ) .

قوله تعالى : " وما هي إلا ذكرى للبشر " يعني الدلائل والحجج والقرآن . وقيل : " وما هي " أي وما هذه النار التي هي سقر " إلا ذكرى " أي عظة " للبشر " أي للخلق . وقيل : نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة . قال الزجاج . وقيل : أي ما هذه العدة " إلا ذكري للبشر " أي ليتذكروا ويعلموا كمال قدرة الله تعالى ، وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار ، فالكناية على هذا في قوله تعالى : " وما هي " ترجع إلى الجنود ؛ لأنه أقرب مذكور .


[15589]:ورد في الأصول ست قراءات فقط ولعل السابعة قراءة سليمان بن قتة "تسعة أعشر" بضم التاء وهمزة مفتوحة وسكون العين وضم الشين وجر الراء. وتعقب السمين هذه القراءات فقال: "في هذه الكلمة قراءات شاذة وتوجيهات تشاكلها".
[15590]:كذا في الأصول: والصواب: اثنا عشر.
[15591]:الأطيط: صوت الأقتاب (إ كاف البعير). وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها. أي أن كثرة ما فيها من الملائكة قد ثقلها حتى أطت. وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثم أطيط. (النهاية).
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

قوله تعالى : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر 31 كلا والقمر 32 والليل إذ أدبر 33 والصبح إذا أسفر 34 إنها لإحدى الكبر 35 نذيرا للبشر 36 لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } .

روي أنه نزل قوله تعالى : { عليها تسعة عشر } قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم{[4690]} أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ؟ فقال أبو الأشدّ بن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين . فأنزل الله { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } أي ما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون ، بل جعلناهم ملائكة فهم خلق آخر ليسوا من جنسكم وهم غلاظ شداد لا تأخذهم فيكم رأفة أو لين .

قوله : { وما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا } أي ما ذكرنا عدتهم لكم على أنهم تسعة عشر إلا ابتلاء وامتحانا للكافرين المكذبين { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } أي ليوقن أهل التوراة والإنجيل أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } أي ويزداد المؤمنون إيمانا إلى إيمانهم بسبب ما شهدوه من صدق ما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } أي ولا يشك أهل التوراة والانجيل والمؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر { وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } أي وليقول المرتابون والمنافقون والكافرون من مشركي قريش : ما الذي أراده الله بهذا العدد . أو وأي غرض قصد في جعل الملائكة تسعة عشر . ومرادهم إنكار هذا الكلام من أصله وأنه ليس من عند الله .

قوله : { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } الكاف في اسم الإشارة صفة لمصدر محذوف ، وتقديره : مثل ذلك الإضلال يضل من يشاء . والمعنى : مثل ذلك الإضلال للكافرين والهداية للمؤمنين يضل الله من يشاء إضلاله ، ويهدي من يشاء هدايته .

قوله : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } يعني وما يدري عدد ملائكة ربك الذين أنيط بهم تعذيب الكافرين في النار إلا الله جل وعلا . فهم كثيرون غاية الكثرة . وهي كثرة لا يعلم حقيقتها وعدتها سوى الله . ويدل على ذلك ما رواه الطبراني عن جابر ابن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كفّ إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع . فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لم نشرك بك شيئا " .

قوله : { وما هي إلا ذكرى للبشر } يعني وما نار سقر وصفتها التي ذكرت إلا تذكرة للبشر لكي يعتبروا ويتعظوا ويخشوا ربهم .


[4690]:الدهم: يفتح الدال، يعني الخلق الكثير. انظر المعجم الوسيط جـ 1 ص 300.