عليهم دائرة السوء : تدور عليهم وتحيط بهم . السوء : الشر .
وليعذّب المنافقين والمنافقاتِ والمشركين بالله والمشركاتِ الذين يظنون بالله أسوأ الظنون ، كأنْ لا ينصر رسولَه . وقد نصره . فعليهم تدور دوائر الشر لا يفلتون منها ، ونالهم غضبٌ من الله ، الّذي طردهم من رحمته ، { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ } [ الفتح : 6 ] وما أسوأها من مصير !
قرأ ابن كثير وأبو عمرو : دائرة السوء بضم السين . وقرأ الباقون : بفتح السين .
وأما المنافقون والمنافقات ، والمشركون والمشركات ، فإن الله يعذبهم بذلك ، ويريهم ما يسوءهم ؛ حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين ، وظنوا بالله الظن السوء ، أنه لا ينصر دينه ، ولا يعلي كلمته ، وأن أهل الباطل ، ستكون لهم الدائرة على أهل الحق ، فأدار الله عليهم ظنهم ، وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا ، { وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } بما اقترفوه من المحادة لله ولرسوله ، { وَلَعَنَهُمْ } أي : أبعدهم وأقصاهم عن رحمته { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }
قوله تعالى : " ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات " أي بإيصال الهموم إليهم بسبب علو كلمة المسلمين ، وبأن يسلط النبي عليه السلام قتلا وأسرا واسترقاقا . " الظانين بالله ظن السوء " يعني ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى المدينة ، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية ، وأن المشركين يستأصلونهم . كما قال : " بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا " [ الفتح : 12 ] . وقال الخليل وسيبويه : " السوء " هنا الفساد . " عليهم دائرة السوء " في الدنيا بالقتل والسبي والأسر ، وفي الآخرة جهنم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " دائرة السوء " بالضم . وفتح الباقون . قال الجوهري : ساءه يسوءه سوءا ( بالفتح ) ومساءة ومساية ، نقيض سره ، والاسم السوء ( بالضم ) . وقرئ " عليهم دائرة السوء " يعني الهزيمة والشر . ومن فتح فهو من المساءة .
ولما كان من أعظم الفوز إقرار العين بالانتقام من العدو وكان العدو-{[60158]} المكاتم{[60159]} أشد من العدو{[60160]} المجاهر المراغم{[60161]} قال تعالى : { ويعذب المنافقين } أي يزيل كل ما لهم من العذوبة { والمنافقات } بما غاظهم من ازدياد الإيمان { والمشركين والمشركات } بصدهم الذي كان سبباً للمقام الدحض{[60162]} الذي كان سبباً لإنزال السكينة {[60163]}الذي كان{[60164]} سبباً لقوة أهل الإسلام بما تأثر عنه من كثرة الداخلين فيه ، الذي كان سبباً لتدمير أهل الكفران ، ثم بعد ذلك عذاب النيران .
ولما أخبر بعذابهم ، أتبعه وصفهم بما سبب لهم ذلك فقال تعالى : { الظانين بالله } أي المحيط بجميع صفات الكمال { ظن السوء } من أنه لا يفي بوعده في أنه ينصره رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين أو أنه {[60165]}لا يبعثهم . أو أنه{[60166]} لا يبعثهم أو أنه لايعذبهم لمخالفة رسوله{[60167]} صلى الله عليه وسلم . ومشاققة أتباعه . ولما أخبر سبحانه وتعالى بعذابهم فسره بقوله : { عليهم } أي في الدنيا والآخرة بما يخزيهم الله به من كثرة جنوده وغيظهم منهم وقهرهم بهم { دائرة السوء } التي دبروها أوقدروها للمسلمين لا خلاص لهم منها ، فهم مخذولون في كل موطن خذلاناً ظاهراً يدركه كل أحد ، وباطناً يدركه من أراد الله تعالى من أرباب البصائر كما اتفق في هذه العمرة ، والسوء - بالفتح والضم : ما يسوء كالكره إلا أنه غلب في أن يضاف إلى ما يراد ذمه ، والمضموم جار{[60168]} مجرى الشر الذي هو ضد الخير - قاله في الكشاف .
ولما كان من دار عليه السوء قد لا يكون مغضوباً عليه ، قال : { وغضب الله } أي الملك الأعظم بما له من صفات الجلال والجمال فاستعلى غضبه { عليهم } ، وهو عبارة عن أنه{[60169]} يعاملهم معاملة الغضبان بما لا طاقة لهم به . ولما كان الغضب قد لا يوجب الإهانة والإبعاد قال{[60170]} : { ولعنهم } أي طردهم طرداً سفلوا به أسفل سافلين ، فبعدوا به عن كل خير .
ولما قرر ما لهم في الدارين ، وكان قد يظن أنه يخص الدنيا فلا يوجب عذاب الآخرة ، أتبعه بما يخصها فقال : { وأعد } أي هيأ الآن { لهم جهنم } تلقاهم بالعبوسة والغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب بالحر والبرد والإحراق ، وغير ذلك من أنواع المشاق . ولما كان التقدير : فساءت معداً ، عطف عليه قوله : { وساءت مصيراً * } .
قوله : { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } معطوف على قوله : { ليدخل } يعني وليعذب النافقين والمنافقات الذين يتكلفون المودة ويصطنعونها في الظاهر اصطناعا فيظهرون لرسول الله والمؤمنين الإسلام ويخفون في أنفسهم الضغينة والكفر ويتربصون بالإسلام والمسلمين الدوائر . وكذلك يعذب الله المشركين والمشركات الذين يحادون الله ورسوله ويصدون الناس عن دين الله ، أولئك جميعا سيعذبهم الله ، بقهرهم وكبتهم وإذلالهم ، وبإظهار الحق عليهم وإعلاء شأن الإسلام والمسلمين في الآفاق ليذوقوا في أنفسهم مرارة الهوان والاغتمام .
قوله : { الظانّين بالله ظن السّوء } وذلك وصف للفريقين من أهل النفاق والشرك الذين كان ظنهم أن النبي والذين آمنوا معه لن يرجعوا إلى المدينة بل يستأصلهم المشريكون فلا تبقى منهم باقية . وذلك هو السوء من ظنهم الخبيث الكاذب { عليهم دائرة السّوء } و { السوء } معناه العذاب والهلاك ، أي تحيق بهم دائرة العذاب والهوان والخسران في الدنيا حيث الذل والهزيمة والقهر ، وفي الآخرة حيث النار وبئس القرار .
قوله : { وغضب الله عليهم ولعنهم } لقد نالهم الله بمقته الشديد وأبعدهم من رحمته وفضله { وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا } أعد الله لهم النار يوم القيامة ليصلوها وساءت لهم منزلا مقاما يصيرون إليه .