حُملوا التوراة : عُلِّموها وأمروا أن يعملوا بها .
ثم لم يحملوها : لم يعملوا بها .
الأسفار : جمع سِفر وهي الكتب ، السفر الكتاب .
الكلام في هذه الآية الكريمة عن اليهود وكَذِبهم ، وتعنُّتِهِم ، وتبجُّحهم ، فبعد أن منّ الله على هذه الأمة بإرسال رسول من أنفسِهم . قال اليهود : إن هذا الرسولَ لم يُبعث إليهم ، ولذلك يردّ الله عليهم مقالهم بأنهم لو عملوا بالتوراة وفهموها حقَّ الفهم ، لرأوا فيها وصفَ النبي الكريم والبشارة به ، وأنه يجب عليهم اتّباعه ، لأنه رسول ورحمة للعالمين .
وما مثلُهم في حَملِهم للتوراة وتركهم العملَ بها إلا كمثل الحمار الذي يحمل الكتبَ ولا يفهم منها شيئا ، ولا يجديه حملُها نفعا .
{ بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } .
{ مثل الذين حملوا التوراة } كلفوا العمل بها { ثم لم يحملوها } لم يعملوا بما فيها
6 10 { كمثل الحمار يحمل أسفارا } كتبا أي اليهود شبههم في قلة انتفاعهم بما في أيديهم من التوراة اذ لم يؤمنوا بمحمد عليه السلام بالحمار يحمل كتبا ثم قال { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين }
ضرب مثلا لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم . " حملوا التوراة " أي كلفوا العمل بها ، عن ابن عباس . وقال الجرجاني : هو من الحمالة بمعنى الكفالة ، أي ضمنوا أحكام التوراة . " كمثل الحمار يحمل أسفارا " هي جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير ؛ لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ . قال ميمون بن مهران : الحمار لا يدري أسِفْرٌ على ظهره أم زبِيل{[14957]} ؛ فهكذا اليهود . وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ؛ لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء . وقال الشاعر{[14958]} :
زواملُ للأسفار لا علمَ عندهم *** بجيّدها إلا كعلمِ الأبَاعِرِ
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا *** بأوساقه{[14959]} أوراح ما في الغرائر{[14960]}
وقال يحيى بن يمان : يكتب أحدهم الحديث ولا يتفهم ولا يتدبر ، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب . وقال الشاعر :
إن الرواة على جهل بما حملوا *** مثلُ الجمال عليها يحمل الوَدَعُ
لا الوَدْع ينفعه حمل الجمال له *** ولا الجمال بحمل الوَدْعِ تنتفع
وقال منذر بن سعيد البلوطي رحمه الله فأحسن :
انعِق بما شئت تجد أنصارا *** وزُمّ أسفارا تجد حمارا
يحمل ما وضعت من أسفار *** يحمله كمثل الحمار
يحمل أسفارا له وما درى *** إن كان ما فيها صوابا وخطا{[14961]}
إن سئلوا قالوا كذا روينا *** ما إن كذبنا ولا اعتدينا
كبيرهم يصغر عند الحَفْلِ *** لأنه قلد{[14962]} أهل الجهل
" ثم لم يحملوها " أي لم يعملوا بها . شبههم - والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها - بالحمار يحمل كتبا وليس له إلا ثقل الحمل من غير فائدة . و " يحمل " في موضع نصب على الحال ، أي حاملا . ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف ؛ لأن الحمار كاللئيم . قال :
ولقد أمر على اللئيم يسبني{[14963]}
" بئس مثل القوم " المثل الذي ضربناه لهم ، فحذف المضاف . " والله لا يهدي القوم الظالمين " أي من سبق في علمه أنه يكون كافرا .
قوله تعالى : { مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين 5 قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين 6 ولا يتمنّونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين 7 قل إن الموت الذي تفرّون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } .
يندد الله بهذه الفئة من بني إسرائيل وهم اليهود إذ آتاهم الله التوراة فيها هداية للناس وفيها البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم فلم يطيقوا التزامها ولم يعلموا بما فيها من الأوامر والنواهي والأحكام ، بل استنكفوا ومالوا إلى ما تستمرئه أهواؤهم وطبائعهم من الشهوات والضلال ، فضلا عما فعلوه من تحريف لكلام الله وتبديل لكلماته ومعانيه ، وإخفاء لذكر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وطمس لاسمه من التوراة . فمثلهم في ذلك مثل السوء إذ شبههم الله بالحمار يحمل على ظهره أسفارا أي كتبا . والمفرد ، سفر ، وهو الكتاب الكبير ، أو جزء من أجزاء التوراة{[4536]} .
والحمار البهيم يمشي على الأرض ساربا لا يعي ولا يفهم ولا يدري ما الذي على ظهره . وهو يستوي عنده أن يحمل على ظهره كتبا في الخير والعلم أو أحمالا ثقالا من الحجارة والطين . وهذه حقيقة الذين يزعمون أنهم متدينون بدين الله ومن حولهم وفي أيمانهم كتاب الله فيصطنعون الإيمان به والغيرة عليه اصطناعا وهم مجافون لأحكامه متحللون مما فيه من الأوامر والزواجر . فأولئك حالهم كحال الحمار يقلّ على ظهره الكتب وهو لا يعلم ما يحمل { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } مثل ، فاعل بئس . والمخصوص بالذم ، الإسم الموصول بعده . وقيل : محذوف ، وتقديره : بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء{[4537]} { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي لا يجعل الله الهداية والتوفيق للذين يظلمون أنفسهم باختيارهم الباطل واستبدالهم الضلال بالهدى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.