تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (259)

القرية : معروفة ، وقد تطلق على البلد الكبير . وهنا لم يحدد مكانها ، ولم يرد خبر صحيح عن موضعها .

خاوية على عروشها : خالية وساقطة على سقوفها . ويقال العروش هي الأبنية أيضا .

لم يتسنّه : لم يتغير ولم يفسد .

ننشزها : نجعلها ترتفع ، ثم نكسوها اللحم .

في هذه الآية الكريمة والتي بعدها يعرض علينا الله سبحانه وتعالى بعض أسرار الحياة والموت . فالموتُ نتيجة حتيمة لهذه الحياة ، بل هو ظاهرة طبيعية مكملة لصفات الكائن الحي . فكما تتصف الأحياء بالنمو والتكاثر والحركة تتصف أيضاً بالضعف والفناء .

وبين الآية السابقة { أَلَمْ تَرَ إلى الذي حَآجَّ إبراهيم } وهذه الآية عطف . فيقول : ألم تعلم بهذه القصة العجيبة ، قصة ذلك الرجل الذي مر على قرية متهدمة سقطت سقوفها وهلك أهلها ، فقال متعجبا : كيف يحيي الله أهل هذه القرية بعد موتهم ! وكيف تعمرُ هذه القرية بعد خرابها ! فأماته الله مائة عام ، ثم بعثه حتى يبيّن له سهولة البعث على الله . وبعد ذلك سُئل : كم المدة التي لبثْتَها ميتا ؟ قال ، وهو لا يعلم : قد مكثت يوما أو بعض يوم . فقال له الله : بل مكثتَ مائة عام . ثم وجّه نظره إلى أمر آخر من دلائل قدرته فقال له : انظر إلى طعامك لم يفسد ولم يتغير ، وكذلك شرابك . وانظر إلى حمارك أيضاً كيف نخرتْ عظامه وتقطعت أوصاله حتى تستيقن طول المدة الي مكثتها وتؤمن بالإحياء بعد الموت . ولنجعلَكَ آيةً ناطقة للناس بالبعث . انظر إلى العظم نركّبه ونجعله ينمو ، ثم نكسوه اللحم ، ثم ننفخ فيه الروح فتتحرك .

لقد أطلعناك على بعض آياتنا الدالة على قدرتنا على البعث ، لتعلم أن الله تعالى قادر على أن يعيد العمران للقرية ويعمرها بالناس والحيوان . وأن ذلك القادر على الإحياء بعد مائة عام هو قادر عليه بعد آلاف السنين . و{ كَمَا بَدَأْنَآ أولَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } . فلما ظهر له إحياء الميت عياناً قال : إن الله على كل شيء قدير .

القراءات :

قرأ حمزة والكسائي «لم يتسن » بغير الهاء . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب «ننشرها » بالراء المهملة من أنشر ، وقرأ حمزة والكسائي : «اعلم » بصيغة الأمر .