النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (259)

{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ } اختلفوا في الذي مر على قرية على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه عزيز ، قاله قتادة .

والثاني : أنه إرْمياء ، وهو قول وهب .

والثالث : أنه الخَضِر ، وهو قول ابن إسحاق ، واختلفوا في القرية على قولين :

أحدهما : هي بيت المقدس لما خرّبه بُخْتنصَّر ، وهذا قول وهب وقتادة . والربيع بن أنس .

والثاني : أنها التي{[420]} خرج منها الألوف حذر الموت ، قاله ابن زيد .

{ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } في الخاوية قولان :

أحدهما : الخراب ، وهو قول ابن عباس ، والربيع ، والضحاك .

والثاني : الخالية .

وأصل الخواء الخلو ، يقال خوت الدار إذا خلت من أهلها ، والخواء الجوع لخلو البطن من الغذاء . و{ عَلَى عُرُوشِهَا } : على أبنيتها ، والعرش : البناء .

{ قَالَ أَنَّى يَحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } فيه وجهان :

أحدهما : يعمرها بعد خرابها .

والثاني{[421]} : يعيد أهلها بعد هلاكهم .

{ فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ : كَمْ لَبِثْتَ } أي مكثت .

{ قَالَ : لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } لأن الله تعالى أماته في أول النهار ، وأحياه بعد مائة عام آخر النهار ، فقال : يوماً ، ثم التفت فرأى بقية الشمس فقال : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } .

{ قَالَ : بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } فيه تأويلان :

أحدهما : معناه لم يتغير ، من الماء الآسن وهو غير المتغير ، قال ابن زيد : والفرق بين الآسن والآجن أن الآجن المتغير الذي يمكن شربه والآسن المتغير الذي لا يمكن شربه{[422]} .

والثاني : معناه لم تأتِ عليه السنون فيصير متغيراً ، قاله أبو عبيدة .

قيل : إن طعامه كان عصيراً وتيناً وعنباً ، فوجد العصير حلواً ، ووجد التين والعنب طرياً جنيّاً .

فإن قيل : فكيف علم أنه مات مائة عام ولم يتغير فيها طعامه ؟ قيل : إنه رجع إلى حاله فعلم بالآثار والأخبار ، وأنه شاهد أولاد أولاده شيوخاً ، وكان قد خلف آباءهم مُرْداً أنه مات مائة عام .

وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : أن عزيراً خرج من أهله وخلف امرأته حاملاً وله خمسون سنة ، فأماته الله مائة عام ، ثم بعثه فرجع إلى أهله ، وهو ابن خمسين سنة ، وله ولد هو ابن مائة سنة ، فكان ابنه أكبر منه بخمسين سنة ، وهو الذي جعله الله آية للناس .

وفي قوله تعالى : { وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا } قراءتان :

إحداهما : ننشرُها بالراء المهملة ، قرأ بذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، ومعناه نحييها . والنشور : الحياة بعد الموت ، مأخوذ من نشر الثوب ، لأن الميت كالمطوي ، لأنه مقبوض عن التصرف بالموت ، فإذا حَيِيَ وانبسط بالتصرف قيل : نُشِرَ وأُنشِر .

والقراءة الثانية : قرأ بها الباقون ننشِزُها بالزاي المعجمة ، يعني نرفع بعضها إلى بعض ، وأصل النشوز الارتفاع ، ومنه النشز اسم للموضع المرتفع من الأرض ، ومنه نشوز المرأة لارتفاعها عن طاعة الزوج .

وقيل إِنَّ الله أحيا عينيه وأعاد بصره قبل إحياء جسده ، فكان يرى اجتماع عظامه واكتساءها لحماً ، ورأى كيف أحيا الله حماره وجمع عظامه{[423]} .

واختلفوا في القائل له : كم لبثت على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه ملك .

والثاني : نبي .

والثالث : أنه بعض المؤمنين المعمرين ممن شاهده عند موته وإحيائه .


[420]:- في اسم هذه القرية: انظر تعليقنا على تفسير الآية 243 من هذه السورة.
[421]:- هذا الوجه سقط من ق.
[422]:- زيادة من ك.
[423]:- ما بين الزاويتين زيادة من ك.