تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ} (79)

وقد فهّمنا سليمانَ الحكم الصوابَ وآتيناه الحكمة والعلم جميعا .

وقصة الحكم : أن غنماً رعت في زرع بالليل فأفسدته ، فقضى داود بأن صاحب الزرع يأخذ الغنم مقابل زرعه . فلما علم سليمان بالحكم ، قال : الحكم أن تبقى الغنم مع صاحب الزرع ينتفع بلبنها وصوفها ، ويكلَّف صاحبُ الغنم بأن يحرث الأرض ويزرعها حتى إذا استوى الزرع سلّمه إلى صاحبه واسترد غنمه . وكان هذا الحكم هو الصواب . ولما علم داود بالحكم استحسنه وأمضاه .

وسخّرنا الجبال والطير لداود يسبِّحن معه بتسبيحٍ لا يسمعه البشرَ ، وكنا فاعلين ذلك بقدرتنا . وهذا التسبيح لا نفهمه نحن . وفي سورة الإسراء الآية 45 : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } فعلماؤنا الأقدمون كانوا يقولون إن هذا التسبيح مَجازي ، وذلك لعدم معرفتهم . وكيف يكون مجازياً ، واللهُ تعالى في عدد من الآيات يحدّثنا عن تسبيح الكون والذرّات وكل شيء للخالق العظيم ! !

يقول الدكتور عماد الدين خليل في مجلة العربي العدد 259 رجب 1400 حزيران 1980 .

« وإننا لنقف هنا خاشعين أمام واحد من جوانب الإعجاز القرآني ، تلك المجموعة من الآيات الكريمة التي تحدثنا عن تسبيح الكون والذرات للخالق العظيم ، من سورة الحشر والصف والإسراء . . . . إن التسبيح ها هنا لا يقتصر على كون الذرات والأجسام الفضائية تخضع للنواميس التي وضعها الله فيها ، فهي تسبّح بحمد الله سبحانه ، فهنالك

ما هو أبعد من هذا وأقرب إلى مفهوم التسبيح الحي أو التقديس الواعي . إن هذه الأشياء المادية تملك أرواحا ، وهي تمارس تسبيحها وتقديسها بالروح وربما بالوعي الذي

لا نستطيع استيعاب ماهيته . وإن هذا ليقودنا إلى مقولة ( اوينقتون ) : ان مادّة العالم هذه مادة عقلية ، كما يقودنا إلى الآية الكريمة { ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . . . . } .