الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ} (79)

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه ، أنه قرأ «فافهمناها سليمان » .

وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال : كان الحكم بما قضى به سليمان ، ولم يعب داود في حكمه .

وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أهون أهل النار عذاباً ، رجل يطأ جمرة يغلي منها دماغه . فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : وما جرمه يا رسول الله ؟ قال : كانت له ماشية يغشى بها الزرع ويؤذيه ، وحرم الله الزرع وما حوله غلوة سهم ، فاحذروا أن لا [ ] يستحب الرجل ما له في الدنيا ويهلك نفسه في الآخرة » .

وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بينما امرأتان معهما ابنان لهما ، جاء الذئب فأخذ أحد الابنين ، فتحاكما إلى داود فقضى له للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما . فقالت الصغرى : يرحمك الله ، هو ابنها لا تشقه . فقضى به للصغرى » .

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن امرأة حسناء من بني إسرائيل راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم فامتنعت على كل واحد منهم ، فاتفقوا فيما بينهم عليها ، فشهدوا عليها عند داود أنها مكنت من نفسها كلباً لها قد عوّدته ذلك منها ، فأمر برجمها . فلما كان عشية ذلك اليوم جلس سليمان واجتمع معه ولدان مثله فانتصب حاكماً ، وتزيا أربعة منهم بزي أولئك وآخر بزي المرأة ، وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلباً . فقال سليمان : فرقوا بينهم . فسأل أولهم : ما كان لون الكلب ؟ فقال : أسود . فعزله واستدعى الآخر فسأله عن لونه فقال : أحمر ، وقال الآخر أغبش ، وقال الآخر أبيض . فأمر عند ذلك بقتلهم ، فحكي ذلك لداود فاستدعى من فوره أولئك الأربعة فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب فاختلفوا عليه فأمر بقتلهم .

وأخرج أحمد في الزهد عن ابن أبي نجيح قال : قال سليمان عليه السلام : أوتينا ما أوتي الناس ولم يؤتوا ، وعلمنا ما علم الناس ولم يعلموا .

فلم يجد شيئاً أفضل من ثلاث كلمات : الحلم في الغضب ، والرضا والقصد في الفقر ، والغنى وخشية الله في السر والعلانية .

وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان عليه السلام لابنه : يا بني ، إياك وغضب الملك الظلوم فإن غضبه كغضب ملك الموت .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خيثمة قال : قال سليمان عليه السلام : جربنا العيش لينه وشديده فوجدناه يكفي منه أدناه .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : يا بني ، لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك وإن كانت بريئة . يا بني ، إن من الحياء صمتاً ومنه وقاراً يا بني ، إن أحببت أن تغيظ عدوك فلا ترفع العصا عن ابنك . يا بني ، كما يدخل الوتد بين الحجرين وكما تدخل الحية بين الحجرين ، كذلك تدخل الخطيئة بين البيعين .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : بلغنا أن سليمان قال لابنه : امش وراء الأسد ولا تمش وراء امرأة .

وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : يا بني ، إن من سوء العيش نقلاً من بيت إلى بيت . وقال لابنه : عليك بخشية الله فإنها غلبت كل شيء .

وأخرج أحمد عن بكر بن عبد الله ، أن داود عليه السلام قال لابنه سليمان : أي شيء أبرد ، وأي شيء أحلى ، وأي شيء أقرب ، وأي شيء أبعد ، وأي شيء أقل ، وأي شيء أكثر ، وأي شيء آنس ، وأي شيء أوحش ؟ ؟ قال : أحلى شيء روح الله من عباده ، وأبرد شيء عفو الله عن عباده ، وعفو العباد بعضهم عن بعض . وآنس شيء الروح تكون في الجسد ، وأوحش شيء الجسد تنزع منه الروح ، وأقل شيء اليقين ، وأكثر شيء الشك ، وأقرب شيء الآخرة من الدنيا ، وأبعد شيء الدنيا من الآخرة .

وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : لا تقطعن أمراً حتى تؤامر مرشداً ، فإذا فعلت ذلك فلا تحزن عليه . وقال : يا بني ، ما أقبح الخطيئة مع المسكنة ! وأقبح الضلالة بعد الهدى ! وأقبح من ذلك رجل كان عابداً فترك عبادة ربه .

وأخرج أحمد عن قتادة قال : قال سليمان عليه السلام : عجباً للتاجر : كيف يخلص يحلف بالنهار وينام بالليل ؟ ؟

وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : يا بني ، إياك والنميمة فإنها كحد السيف .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل : أن إياس بن معاوية لما استقضى ، أتاه الحسن فرآه حزيناً فبكى إياس فقال : ما يبكيك ؟ ! فقال : يا أبا سعيد ، بلغني أن القضاة ثلاثة : رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ، ورجل مال به الهوى فهو في النار ، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة .

فقال الحسن : إن فيما قص الله من نبأ داود ما يرد ذلك . ثم قرأ { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } حتى بلغ { وكلاً آتينا حكماً وعلماً } فأثنى على سليمان ولم يذم داود .

ثم قال : أخذ الله على الحكام ثلاثة : أن لا يشتروا بآياته ثمناً قليلاً ، ولا يتبعوا الهوى ، ولا يخشوا الناس . ثم تلا هذه الآية { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } [ ص : 26 ] الآية وقال { فلا تخشوا الناس واخشون } [ المائدة : 44 ] وقال { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } [ المائدة : 44 ] .

79