ثم قال تعالى : { ففهمناها سليمان } أي : ففهمنا القضية{[46165]} سليمان دون داود ، { وكلا آتينا حكما وعلما } أي : وكلهم ، يعني داود وسليمان والرسل المذكورين في هذه السورة . { آتينا حكما } يعني النبوة وعلما بأحكام الله .
قال ابن عباس : دخلت الغنم ليلا ، فأفسدت الكرم ، فاختصموا إلى داود . فقضى بالغنم لصاحب الكرم ، فمروا على سليمان ، فأخبروه فقال : كان غير هذا الحكم أرفق بالجميع . فدخل صاحب الغنم ، فأخبر داود ، فقال لسليمان : كيف الحكم عندك . فقال : يا نبي الله ، تدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فيصيب من ألبانها وأصوافها وأولادها ، وتدفع الكرم إلى صاحب الغنم يقوم به حتى يرجع إلى حاله . فإذا رجع إلى حاله ، سلم الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبها . وكذلك قال مجاهد وشريح{[46166]} وقتادة{[46167]} وجماعة من الكوفيين يزعمون أن هذا الحكم منسوخ ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعا ليلا أو نهارا أنه لا يلزم أصحابها شيء/ .
قال : هو منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم{[46168]} .
( العجماء جبار ){[46169]} ولم يقل بهذا أحد غير أبي حنيفة{[46170]} .
وقد حكم بالضمان لما أفسدت البهائم{[46171]} بالليل{[46172]} ثلاثة من الأنبياء : داود وسليمان ومحمد صلى الله عليه وسلم . قضى النبي أن على أهل الثمار حفظها بالنهار ، وضمن أصحاب الماشية{[46173]} ما أصابت ماشيتهم{[46174]} بالليل .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( جرح العجماء جبار ) إنما يعني به ما أصابت البهيمة فلا أرش فيه إذا{[46175]} لم يكن على صاحبها حفظها ، لأن العلماء قد أجمعوا على أن على راكب الدابة ما أصابت بيديها ، إذ عليه حفظها{[46176]} ولا خلاف فيها إلا خلاف من لا يعد خلافا . فإذا لزم ما أصابت بيديها{[46177]} الدابة فليس بجبار إلا إذا لم يكن على صاحبها حفظها وتضمين أصحاب الماشية ما أصابت بالليل . وهو قول مالك والشافعي{[46178]} .
فالذي يحكم به في مثل هذه القضية{[46179]} في الإسلام أن يقوم ما أفسدته{[46180]} الماشية من الكرم ، ويغرمه أرباب الماشية لأهل الكرم ، لأن حفظ الليل كان عليهم لازما ، فلما فرطوا ضمنوا الجناية .
ويروى أن ناقة للبراء بن عازب رعت نباتا لقوم ، فقضى رسول الله عليه السلام أن على أهل الثمار حفظها بالنهار ، وضمن أصحاب المواشي{[46181]} ما أصابت مواشيهم بالليل{[46182]} .
وخالف أبو حنيفة هذا الحكم ، وزعم أنه منسوخ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : العجماء جبار . والرواية عند أهل الحديث : العجماء جرحها جبار . وقد أجمع أن على راكب الدابة ما أصابت بيديها{[46183]} ، فدل ذلك أن ما أصابت جبار إذا لم يكن صاحبها معها أو قائدها . فخالف أبو حنيفة في هذا داود وسليمان ومحمدا صلى الله عليه وسلم وجميع العلماء . ( وجبار ) مشتق من جبرت العظم ، إذا لامته ، وجبرت الرِّجْلَ ، إذا نعشته فكان صاحبها{[46184]} يجبر وينعش بإسقاط ما جنته{[46185]} الدابة عنه من غير أن يكون له فيه فعل .
ويجوز أن يكون من أجبرت الرجل على الشيء ، إذا قهرته عليه ، فتكون الدابة كلها مجبرة من حيث عليه{[46186]} أن لا يأخذ في الجناية بشيء .
وقد قيل : إن الذي أفسدت الماشية كان زرعا فقضى فيه{[46187]} سليمان أن يأخذ صاحب الزرع الماشية ينتفع بألبانها . وأصوافها إلى أن يأتي حول ثاني ، ويزرع له صاحب الماشية مثل زرعه . فإذا بلغ الحد الذي كان عليه وقت رعته الماشية ، دفعه إلى صاحب الزرع ، وأخذ ماشيته .
وقيل : كانا نبيين{[46188]} يحكمان في وقت بأمر الله ووحيه . فكان داود يحكم بحكم أمره الله به . فيحكم به في الزرع ، ثم نسخه الله ، فأوحي إلى سليمان نسخه فحكم به في ذلك . فكل حكم بحكم الله تعالى وأمره له . وحكم سليمان ناسخ لحكم داود بأمر الله له ووحيه إليه . ولذلك قال : وكلا آتينا حكما وعلما .
ثم قال تعالى : { وكلا آتينا حكما وعلما }[ 78 ] .
قال زيد بن أسلم{[46189]} : الحكم ، أو الحكمة العقل .
وقال مالك{[46190]} : وإنه ليقع بقلبي أن الحكمة ، الفقه بدين الله عز وجل ، ولين يدخله الله القلوب من رحمته وفضله .
ثم قال : { وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن }[ 78 ] .
وقال قتادة{[46191]} : ( معنى ) يسبحن هنا ، يصلين معه إذا صلى . ( والطير ) يجوز أن يدخلن في التسبيح مع الجبال ، وهو الأولى ، ويجوز أن يدخلن في التسخير لا غير .
ثم قال : { وكنا فاعلين }[ 78 ] .
وقيل : المعنى : وكنا فاعلين للأنبياء مثل هذه الآيات{[46192]} .
وقيل : معناه : وكنا قضينا أن نفعل ذلك به في أم{[46193]} الكتاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.