جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ} (79)

{ فَفَهَّمْنَاهَا } أي : الحكومة ، أو الفتوى ، { سُلَيْمَانَ } دون داود ، فإنه حكم بأن الغنم لصاحب الكرم بدل إفساده وحكم سليمان بدفع الكرم لصاحب الغنم ، فيقوم عليه حتى يعود كما كان ويدفع الغنم إلى صاحب الكرم فينتفع بَدَّرها ونسلها وصوفها فإذا صار الحرث كما كان يأخذ كل منهما ماله ، { وَكُلًّا } : من داود وسلمان ، { آتَيْنَا

{[3298]} حُكْمًا وَعِلْمًا } قال بعض السلف{[3299]} : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ، ولكن الله تعالى حمد هذا بصوابه ، وأثنى على هذا باجتهاده ، { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ } يقدسن لله معه ، ويجاوبنه قيل يصلين معه إذا صلى{[3300]} وقيل : إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط ، ويشتاق ويسبحن حال أو استئناف ، وأخر الطير ، لما أن تسبيح الجبال لأنها جماد أعجب ، { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } : لأمثاله ليس ببدع منا ،


[3298]:وقد استدل بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب، ولا شك أنها تدل على رفع الإثم عن المخطئ، وأما على كون كل واحد منهما مصيبا فلا تدل هذه الآية ولا غيرها، بل صرح حديث الصحيحين، وغيرهما أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، فسماه النبي –صلى الله عليه وسلم- مخطئا، فكيف يقال إنه مصيب لحكم الله ؟! فإن حكم الله –سبحانه- واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين، وإلا لزم توقف حكمه عز وجل على اجتهاد المجتهدين واللازم باطل فالملزوم مثله، وأما لو وقع مثل اليوم في الشريعة المحمدية فقد ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عنها أو قيمته، وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار لا يلزم صاحبها شيء، وأدخلوا فسادها في عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (جرح العجماء جبار) قياسا لجميع أفعالها على جرحها، ويجاب عنه بأن هذا القياس فاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يضمن رب الماشية ما أفسدته من غير فرق بين الليل والنهار، ويجاب عنه بحديث البراء / 12 فتح البيان.
[3299]:هو الحسن رضي الله عنه / 12.
[3300]:قال قتادة/ 12منه.