وقيل : حكم كل واحد منهما بوحي من الله ونسخ حكم داود بحكم سليمان ، وإن معنى { ففهمناها سليمان } أي فهمناه القضاء الفاصل الناسخ الذي أراد الله أن يستقر في النازلة .
وقرأ عكرمة فأفهمناها عُدِّي بالهمزة كما عُدِّي في قراءة الجمهور بالتضعيف والضمير في { ففهمناها } للحكومة أو الفتوى ، والضمير في { لحكمهم } عائد على الحاكمين والمحكوم لهما وعليهما ، وليس المصدر هنا مضافاً لا إلى فاعل ولا مفعول ، ولا هو عامل في التقدير فلا ينحل بحرف مصدري .
والفعل به هو مثل له ذكاء ذكاء الحكماء وذهن ذهن الأذكياء وكان المعنى وكنا للحكم الذي صدر في هذه القضية { شاهدين } فالمصدر هنا لا يراد به العلاج بل يراد به وجود الحقيقة .
وقرأ { لحكمهما } ابن عباس فالضمير لداود وسليمان .
ومعنى { شاهدين } لا يخفى علينا منه شيء ولا يغيب .
قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه كل واحدة من الحكومتين ؟ قلت : أمّا وجه حكومة داود فلأن الضرر لما وقع بالغنم سلمت بجنايتها إلى المجني عليه كما قال أبو حنيفة في العبد إذا جنى على النفس يدفعه المولى بذلك أو يفديه ، وعند الشافعي يبيعه في ذلك أو يفديه ، ولعل قيمة الغنم كانت على قدر النقصان في الحرث ، ووجه حكومة سليمان أنه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الانتفاع بالحرث من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم ، وأوجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان .
فإن قلت : فلو وقعت هذه الواقعة في شريعتنا ما حكمها ؟ قلت : أبو حنيفة وأصحابه لا يرون فيه ضماناً بالليل والنهار إلاّ أن يكون مع البهيمة سائق أو قائد ، والشافعي يوجب الضمان انتهى .
والظاهر أن كلاًّ من الحكمين صواب لقوله { وكلا آتينا حكماً وعلماً } .
والظاهر أن { يسبحن } جملة حالية من { الجبال } أي مسبحات .
وقيل : استئناف كأن قائلاً قال : كيف سخرهن ؟ فقال : { يسبحن } قيل : كان يمر بالجبال مسبحاً وهي تجاوبه .
وقيل : كانت تسير معه حيث سار ، والظاهر وقوع التسبيح منها بالنطق خلق الله فيها الكلام كما سبح الحصى في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع الناس ذلك ، وكان داود وحده يسمعه قاله يحيى بن سلام .
وقال الزمخشري : كما خلقه يعني الكلام في الشجرة حين كلم موسى انتهى .
وهو قول المعتزلة ينفون صفة الكلام حقيقة عن الله تعالى .
وقيل : إسناد التسبيح إليهن مجاز لما كانت تسير بتسيير الله حملت من رآها على التسبيح فأسند إليها ، والأكثرون على تسبيحهن هو قول سبحان الله .
وانتصب { والطير } عطفاً على { الجبال } ولا يلزم من العطف دخوله في قيد التسبيح .
وقيل : هو مفعول معه أي يسبحن مع الطير .
وقرىء { والطيرُ } مرفوعاً على الابتداء والخبر محذوف أي مسخر لدلالة سخرنا عليه ، أو على الضمير المرفوع في { يسبحن } على مذهب الكوفيين وهو توجيه قراءة شاذة .
وقال الزمخشري : فإن قلت : لم قدمت { الجبال } على { الطير } ؟ قلت : لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة ، وأدخل في الإعجاز لأنها جماد والطير حيوان ناطق انتهى .
وقوله : ناطق إن عنى به أنه ذو نفس ناطقة كما يقولون في حد الإنسان أنه حيوان ناطق فيلزم أن يكون الطير إنساناً ، وإن عنى أنه متكلم كما يتكلم الإنسان فليس بصحيح وإنما عنى به مصوّت أي له صوت ، ووصف الطير بالنطق مجاز لأنها في الحقيقة لا نطق لها .
وقوله { وكنا فاعلين } أي فاعلين هذه الأعاجيب من تسخير الجبال وتسبيحهنّ والطير لمن نخصه بكرامتنا
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.