{ فَفَهَّمْنَاهَا } . قرأ العامة «فَفَهَّمْنَاهَا » بالتضعيف الذي للتعدية ، والضمير للمسألة أو للفتيا{[29077]} .
وقرأ عكرمة : «فَأَفْهَمْنَاهَا » بالهمزة{[29078]} عداه بالهمزة كما عدّاه العامة بالتضعيف{[29079]} .
فصل{[29080]}
قال أكثر المفسرين : دخل رجلان على داود -عليه السلام{[29081]}- أحدهما : صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلاً فأفسدته ، فلا يبق منه شيئاً ، فقال داود : اذهب فإن الغنم لك . فخرجا فمرا على سليمان ، فقال : كيف قضى بينكما ؟ فأخبراه ، فقال : لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا . وروي أنه قال : غير هذا أرفق بالفريقين{[29082]} فأخبر بذلك داود ، فدعاه ، فقال : كيف تقضي ، وروي أنه قال له{[29083]} : بحق النبوة والأبوة إلاّ أخبرتني بالذي هو أرفق{[29084]} بالفريقين ، فقال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ، ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه ، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى أهله ، وأخذ صاحب الغنم غنمه ، فقال داود : القضاء ما قضيت . وقال ابن مسعود ومقاتل : إن راعياً نزل ذات ليلة بجنب كرم ، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان ، وأفسدت الكرم ، فذهب صاحب الكرم من الغد إلى داود ، فقضى له بالغنم ، لأن لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الأغنام تفاوت وذكر باقي القصة . قال ابن عباس : حكم سليمان ذلك وهو ابن إحدى عشرة سنة وأما حكم الإسلام : أنّ ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها ، وما أفسدت بالليل ضمنه ربها ، لأنَّ في عرف الناس أنَّ أصحاب الزروع يحفظونها بالنهار ، والمواشي تسرح بالنهار ، وترد بالليل إلى المراح{[29085]} .
روى ابن{[29086]} محيصة أنّ ناقة لِلْبَرَاء بن عازِب{[29087]} حائطاً{[29088]} فَأَفْسَدَتْ ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -{[29089]} «أَنَّ على أَهْل الحَوَائِط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضَامِنٌ على أهْلِهَا »{[29090]} .
وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه فيما اتلفت الماشية ليلاً كان أو نهاراً{[29091]} .
فصل{[29092]}
قال أبو بكر الأصم : إنهما لم يختلفا في الحكم البتة ، وأنه تعالى بين لهما الحكم على لسان سليمان . والصواب أنهما اختلفا ، ويدل على إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- وأيضاً قوله تعالى : { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } ، ثم قال : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } والفاء للتعقيب ، فوجب أن يكون ذلك الحكم سابقاً على هذا الفهم ، وذلك الحكم السابق إن اتفقا فيه لم يبق لقوله { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } فائدة . وإن اختلفا فيه فهو المطلوب .
فصل{[29093]}
احتج الجبائي على أنّ الاجتهاد غير جائز من الأنبياء بوجوه :
الأول : قوله تعالى : { قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ }{[29094]} وقوله : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى }{[29095]} .
الثاني : أنّ الاجتهاد طريقه الظن وهو قادر على اليقين ، فلا يجوز المصير إلى الظن كالمعاين للقبلة لا يجوز الاجتهاد .
الثالث : لو جاز له الاجتهاد في الأحكام لكان لا يقف في شيء منها ، فلما وقف في مسألة الظهار واللعان إلى ورود الوحي دلّ على أنّ الاجتهاد غير جائز عليه .
الرابع : أنّ الاجتهاد إنما يصار إليه عند فقد النص ، وفقد النص في حق الرسول كالممتنع فوجب أن لا يجوز الاجتهاد .
الخامس : لو جاز الاجتهاد من الرسول أيضاً من جبريل ، وحينئذ لا يحصل الأمان بأن{[29096]} هذه الشرائع التي جاء بها أهي من نصوص الله أم من اجتهاد جبريل ؟
وأجيب عن الأول : أنّ الآية واردة في إبدال آية بآية ، لأنه عقيب قوله : { قَالَ{[29097]} الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ أَوْ بَدِّلْهُ }{[29098]} ولا مدخل للاجتهاد في ذلك .
وأما قوله : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى } فمن جوَّز له بالاجتهاد يقول{[29099]} إنّ الذي اجتهد فيه هو عن وحي على{[29100]} الجملة ، وإن لم يكن ذلك{[29101]} على التفصيل ، وأيضاً فالآية واردة في الأداء عن الله لا في حكمه الذي يكون بالعقل .
وعن الثاني : أنَّ الله تعالى إذا قال له إذا غلب على ظنك كون الحكم معللاً في الأصل بكذا ، ثم غلب على ظنك قيام ذلك المعنى في صورة أخرى فاحكم بمثل ذلك الحكم ، فههنا الحكم مقطوع به ، والظن غير واقع فيه بل في طريقه .
وعن الثالث : لعله -عليه السلام-{[29102]} كان ممنوعاً عن الاجتهاد في بعض الأنواع ، أو كان مأذوناً له مطلقاً ، لكنه لم يظهر له في تلك الصورة وجه الاجتهاد فتوقف .
وعن الرابع : لِمَ لا يجوز أن يحبس النص عنه في بعض الصور فحينئذ يحصل شرط جواز الاجتهاد .
وعن الخامس : أن هذا الاحتمال{[29103]} مدفوع بإجماع الأمة على خلافه . ثم الذي يدل على جواز الاجتهاد لهم وجوه :
الأول : أنه -عليه السلام{[29104]}- إذا{[29105]} غلب على ظنه أنَّ الحكم في الأصل معلّل بمعنى ثم علم أو ظن قيام ذلك المعنى في صورة أخرى ، فلا بُدَّ وأن يغلب على ظنه أنَّ{[29106]} حكم الله في{[29107]} هذه الصورة مثل ما في الأصل كقوله -عليه السلام-{[29108]} .
{ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ }{[29109]} .
الثاني : قوله تعالى : { فَاعْتَبِرُوا }{[29110]} أمر الكل بالاعتبار ، فوجب اندراج الرسول- عليه السلام{[29111]}- فيه لأنه إمام المعتبرين وأفضلهم .
الثالث : أن الاستنباط أرفع درجات العلماء ، فوجب أن يكون للرسول{[29112]} فيه مدخل ، وإلا لكان كل واحد من المجتهدين أفضل منه في هذا الباب . فإن قيل : إنما يلزم لو لم يكن درجته أعلى من الاعتبار ، وليس الأمر كذلك لأنه كان يستدرك الأحكام وحياً على سبيل اليقين ، فكان أرفع درجة من الاجتهاد ( قصاراه الظن .
فالجواب : لا يمتنع أن لا يجد النص في بعض المواضع ، فلو لم يكن من أجل الاجتهاد ){[29113]} لكان أقل درجة من المجتهد الذي يمكنه تعرف ذلك{[29114]} الحكم من الاجتهاد ، وأيضاً فقد تقدم أن الله لما أمره بالاجتهاد كان ذلك مفيداً للقطع .
الرابع : قوله -عليه السلام{[29115]}- «العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ »{[29116]} فوجب أن يثبت للأنبياء درجة الاجتهاد ليرث العلماء عنهم ذلك .
الخامس : قوله تعالى : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ }{[29117]} فذاك الإذْنُ إن كان بإذن الله -تعالى- استحال له «لِمَ أَذِنْتَ » وإن كان بهوى{[29118]} النفس فهو جائز . وإن كان بالاجتهاد فهو المطلوب .
فصل{[29119]}
قال الجبائي : لو جوزنا الاجتهاد من الأنبياء ففي هذه المسألة لا نجوزه لوجوه :
أحدها : أن الذي وصل إلى صاحب الزرع من دَر الماشية وصوفها ومنافعها مجهول المقدار ، فكيف يجوز الاجتهاد وأخذ المجهول عوضا عن الآخر .
وثانيها : أن اجتهاد دواد – عليه السلام{[29120]} - إن كان صواباً لزم أن لا ينقض{[29121]} لأنَّ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ، وإن كان خطأ وجب أن يبين الله توبته{[29122]} كسائر ما حكاه عن الأنبياء -عليهم السلام-{[29123]} ، فلما مدحهما بقوله : { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } دَلَّ على أنه لم يقع الخطأ من داود عليه السلام{[29124]} .
وثالثها : لو حكم بالاجتهاد لكان الحاصل هناك ظناً لا علماً لكن الله تعالى قال : { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } .
ورابعها : كيف يجوز أن يكون عن اجتهاد مع قوله : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } .
وأجيب عن الأول : بأنَّ الجهالة في القدر لا تمنع من الاجتهاد كالجِعَالاَت{[29125]} ، وحكم المصرّاة{[29126]} .
وعن الثاني : لعلَّ خطأه كان من باب الصغائر .
وعن الثالث : إنّ المتمسك بالقياس فإن الظن واقع في طريق الحكم ، فأمَّا الحكم فمقطوع به .
وعن الرابع : أنَّ المجتهد إذا تأمل واجتهد وأداه اجتهاده إلى حكم كأن الله -تعالى{[29127]}- فهمه من حيث بين له{[29128]} طريق ذلك .
فهذا جملة الكرم في بيان أنه لا يمتنع أن يكون اختلاف داود وسليمان في ذلك الحكم إنما كان بسبب الاجتهاد . وأما بيان أنه لا يمتنع أيضاً أنْ يكون اختلافهما فيه بسبب النص ، فوجهه أنْ يقال : إنَّ داود -عليه السلام{[29129]}- كان مأموراً بالحكم من قبل الله -تعالى- ثم إنه تعالى نسخ ذلك بالوحي{[29130]} إلى سليمان خاصة ، وأمره أن يعرف داود ذلك فصار ذلك الحكم حكمهما جميعاً .
وقوله : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } أي : أوحينا إليه . فإن قيل : هذا باطل لوجهين :
الأول : لما أنزل الله الحكم الأول على داود{[29131]} وجب أن ينزل نسخه أيضاً على داود لا على سليمان .
الثاني : أن الله تعالى مدح كل واحد منهما على الفهم ، ولو كان ذلك على سبيل النص لم يكن في فهمه كثير مدح .
واعلم أنَّ القول الأول أولى ، لأنه روي في الأخبار الكثيرة أن داود لم يكن بت الحكم في ذلك حتى سمع من سليمان أنَّ غير ذلك أولى ، وفي بعضها أنّ داود ناشده لكي يورد ما عنده ، ولو كان نصاً لكان يظهره ولا يكتمه . ووجه الاجتهاد فيه ما ذكره ابن عباس : أن داود -عليه السلام{[29132]}- قوّم قدر الضرر في الكرم فكان مساوياً لقيمة الغنم وكان عنده أنّ الواجب في ذلك الضرر أن يزال{[29133]} بمثله من النفع ، فلا جرم سلم الغنم إلى المجني عليه كما قال أبو حنيفة{[29134]} في العبد إذا جنى على النفس يدفعه المولى بذلك أو يفديه{[29135]} .
وأما سليمان فأداه{[29136]} اجتهاده إلى أنه يجب مقابلة الأصول بالأصول والزوائد بالزوائد وأما مقابلته بالزوائد فغير جائز ، لأنه يقتضي الحيف ، ولعل منافع الغنم في تلك السنة كانت موازنة فحكم به ، كما قال الشافعي{[29137]} : فيمن غصب عبداً فأبق من يده أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه{[29138]} بإيزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد فإذا ظهر ترادّا .
فصل{[29139]}
إذا ثبت أنّ تلك المخالفة كانت مبنية على الاجتهاد ، فهل تدل هذه القصة على أَنَّ المصيب واحد ، أو الكل مصيبين ؟ فمن قال : إنَّ المصيب واحد استدل بقوله تعالى { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } قال : ولو كان الكل مصيبون لم يكن لتخصيص سليمان بهذا التفهيم فائدة . وأما القائلون بأنَّ الكل مصيبون فمنهم من{[29140]} استدل بقوله تعالى { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } ، ولو كان المصيب{[29141]} واحداً ومخالفه مخطئاً لما صح أن يقال : { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } قال ابن الخطيب : وكلا الاستدلالين ضعيف أما الأول : فلأنّ الله -تعالى- لم يقل إنه فهمه الصواب ، فيحتمل أنه فهممه الناسخ ، ولم يفهم ذلك داود ، فكل واحد منهما مصيب فيما حكم به على أن أكثر ما في الآية أنَّها دالة على أنَّ داود وسليمان{[29142]} ما كانا مصيبين ، وذلك لا يوجب أن يكون الأمر كذلك في شرعنا .
وأما الثاني : فلأنه تعالى لم يقل : كلاًّ آتيناه فيما حكم به هنا ، بل يجوز أنْ يكون إيتاؤه حكماً في شرعهم أنْ يكون الأمر كذلك في شرعنا{[29143]} .
قوله تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ } هذه من النعم التي خصَّ بها داود فقوله : { يُسَبِّحْنَ } في موضع نصب على الحال{[29144]} .
«والطَّيْرَ » يجوز أن ينتصب نسقاً على «الجِبَالَ » ، وأن ينتصب على المفعول معه{[29145]} وقيل : «يسبِّحْنَ » مستأنف فلا محل له{[29146]} . وهو بعيد . وقرئ «وَالطَّيْرُ » رفعاً وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ والخبر محذوف ، أي : والطير مسخرات أيضاً{[29147]} .
والثاني : أنه نسق على الضمير في «يُسَبِّحْنَ » ، ولم يؤكد ولم يفصل ، وهو موافق لمذهب الكوفيين{[29148]} .
قال ابن عباس{[29149]} : ( كان يفهم ){[29150]} تسبيح الحجر والشجر .
وقال وهب : كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح ، وكذلك الطير .
وقال قتادة : «يُسَبِّحْنَ » أي : يصلين مع إذا صلى . وقيل : كان داود إذا فتر سمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه{[29151]} .
وقال بعض المفسرين{[29152]} : إنه يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ }{[29153]} وتخصيص داود -عليه السلام{[29154]}- بذلك إنما كان بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقيناً وتعظيماً .
وقالت المعتزلة : لو حصل الكرم في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله فيه ، والأول محال ، لأن بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة ، وما لا يكون حياً قادراً عاقلاً{[29155]} يستحيل منه الفعل .
والثاني محال ، لأن المتكلم عندهم من كان فاعلاً للكلام لا من كان محلاً للكلام فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله لكان المتكلم هو الله لا الجبال . فثبت أنَّه لا يمكن إجراؤه على ظاهره ، فعند هذا قالوا : معنى قوله : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال } قوله : { يا جبال أَوِّبِي مَعَهُ }{[29156]} أي : تصرفي معه وسيري بأمره . ومعنى «يُسَبِّحْنَ » من السبح الذي هو السباحة خرج اللفظ فيه على التكثير ولو أفرد لقيل : اسبحي ، فلما كثر قيل سبحي معه ، أي : سيري وهو كقوله : { إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً }{[29157]} أي : تصرفاً ومذهباً ، إذا ثبت هذا فنقول : إن سيرها هو التسبيح لدلالته على قدرة الله . واعلم أنّ مدار هذا القول على أن بنية الجبال لا تقبل الحياة ، وأن المتكلم من فعل الكلام ، وكلاهما ممنوع ، وأما «الطّيْر » فلا امتناع أن يصدر عنها الكلام ، ولكن أجمعت الأمة على أنّ المكلفين إمَّا الجن والإنس والملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكن حاله كحال الطفل في أن يُؤْمر ويُنْهَى . وإن لم يكن مكلفاً فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق . وأيضاً فيه{[29158]} دلالة على قدرة الله وعلى تنزيهه عمّا لا يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال{[29159]} . وقدم الجبال على الطير ، لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز ، لأنها جماد والطير حيوان{[29160]} .
ثم قال : { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي : قادرين على أنْ نفعل وإنْ كان عجباً عندكم وقيل : نفعل ذلك بالأنبياء -عليهم السلام-{[29161]} .