تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـٔٗاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوّٖ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ فَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (92)

تحرير رقبة : عتق عبد رقيق مؤمن .

الدية : مبلغ من المال يدفعه القاتل لأهل القتيل .

في هذه الآية الكريمة أحكام لعلاقات المسلمين بعضهم ببعض ، وفيها أحكام تتناول ثلاثة حالات من القتل الخطأ . وهو المفروض أن يكون بين المسلمين ، لأن المسلم لا يجوز أن يقتل أخاه المسلم أبداً ، ولا قَتْلَ إلا في حدٍّ أو قَصاص .

فالحالة الأولى : أن يقع القتل خطأً على مؤمن أهلُه مؤمنون في دار الإسلام . في هذه الحالة يجب عتق رقبة مؤمنة ، وأن تؤدى دِيَة ، أي مبلغ من المال ( حدّده النبي بمائة من الإبل أو ألف دينار ) إلى أهل القتيل لتسكن ثائرة نفوسهم ، وتعوّضهم عما فقدوه من نفع المقتول . هذا إلا إذا عفا أهله وعفّوا عن الدية ، وهو أقرب إلى جو التعاطف والتسامح في المجتمع الإسلامي .

وأما عِتق الرقبة فإنه تعويضٌ للمجتَمع المسلم عن القتيل المفقود ، فمن أعدم نفساً مؤمنة تكون كفّارته أن يوجِد نفسا . والعتقُ كأنه إيجادٌ من جديد . فالإنسان حر ، ولا يكمل وجوده إلا مع حريته . وفي هذه دليل كبير على أن الإسلام جاء ليحرّر لا ليسترقّ .

وهنا معنى قوله تعالى :

{ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } .

والحالة الثانية : أن يقع القتل خطأ على مؤمن في دار الحرب وأهلُه محاربون للإسلام . وفي هذه الحالة يجب عتق رقبة مؤمنة لتعويض النفس المؤمنة التي قُتلت ، لكنه لا يجوز أداء الدية لقومه المحاربين ، خشية أن يستعينوا بها على قتال المسلمين . ولا مجال هنا لاسترضاء أهل القتيل لأنهم أعداء للمسلمين .

وهذا معنى قوله تعالى :

{ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } .

والحالة الثالثة : أن يقع القتل على رجل قومُه معاهدون للإسلام . وهنا يجب تحرير رقبة مؤمنة ، ودفع الدية كاملة إلى أهله . فالله سبحانه قد حرَّم قتل المعاهد كما حرم قتل المؤمن .

ويقول بعض المفسّرين في هذه الحالة الثالثة إذا كان المقتول خطأ هو المؤمن فقط ، وجبت الدية وعتق الرقبة .

فمن لم يجد رقبة يفتديها أو عجز مالُه عن ذلك وجَبَ عليه صيام شهرين متتابعين ، وذلك من باب «توبة من الله » شرعها لكم ، ليتوب عليكم ويطهّر نفوسَكم من التهاون الذي يفضي إلى القتل الخطأ .

{ وكان لله عليما حكيما } والله عليم بأحوال النفوس وما يطهّرها ، حكيم فيما شرعه من الأحكام والآداب التي تضمن إرشادكم إلى سعادة الدارين .