النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـٔٗاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوّٖ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ فَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (92)

قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } اختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية على قولين :

أحدهما : أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان أخا أبي جهل لأمه قتل الحارث بن زيد من بني عامر بن لؤي ، لأنه كان يعذب عياشاً مع أبي جهل واختلف أين قتله ، فقال عكرمة ومجاهد : قتله بالحرّة بعد هجرته إلى المدينة وهو لا يعلم بإسلامه ، وقال السدي : قتله يوم الفتح وقد خرج من مكة وهو لا يعلم بإسلامه .

والقول الثاني : أنها نزلت في أبي الدرداء{[690]} حين قتل رجلاً بالشعب فحمل عليه بالسيف ، فقال : لا إله إلا الله ، فبدر فضربه ثم وجد في نفسه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ " {[691]}

وهذا قول ابن زيد . فأنزل الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } يعني وما أذن الله لمؤمن أن يقتل مؤمناً .

ثم قال : { إلاَّ خَطَأ } يعني أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس مما جعله الله له ، وهذا من الاستثناء الذي يسميه أهل العربية : الاستثناء المنقطع ، ومنه قول جرير :

من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ *** على الأرض إلاّ ريْط بُردٍ مرحّلِ

يعني ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد وليس البرد من الأرض .

{ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } وفيها قولان :

أحدهما : أنها لا يجزىء عتقها في الكفارة إلا أن تكون مؤمنة بالغة قد صلت وصامت ، وهذا قول ابن عباس ، والشعبي ، والحسن ، وقتادة ، وإبراهيم .

والقول الثاني : أن الصغيرة المولودة من أبوين مسلمين تكون مؤمنة تجزئ في الكفارة ، وهذا قول عطاء ، والشافعي .

{ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } في الدية وجهان :

أحدهما : أنها مجملة أخذ بيانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني : أنها معهودة تقدم العمل بها ثم توجه الخطاب إليها . فجعل الله الرقبة تكفيراً للقاتل في ماله والدية بدلاً من نفس المقتول على عاقلته{[692]} .

ثم قال تعالى : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } فيه قولان :

أحدهما : أي إن كان قومه كفاراً وهو مؤمن ففي قتله تحرير رقبة مؤمنة وليس فيه ديةُ ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد . قال ابن زيد : لا تؤدى إليهم لأنهم يتقوونَ{[693]} بها .

والثاني : معناه فإن كان من قومٍ عدو لكم يعني أهل حرب إذا كان فيهم مؤمن فَقُتِلَ من غير علم بإيمانه ففيه الكفارة دون الدية سواء كان{[694]} وارثه مسلماً أو كافراً وهذا قول الشافعي ، ويكون معنى قوله : { من قوم إلى قوم } ، وعلى القول الأول هي مستعملة على حقيقتها .

ثم قال تعالى : { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم ميثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنةٍ } فيهم{[695]} ثلاثة أقاويل :

أحدهما : هم أهل الذمة من أهل الكتاب ، وهو قول ابن عباس ، يجب{[696]} في قتلهم الدية والكفارة .

والثاني : هم أهل{[697]} عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب خاصة ، وهذا قول الحسن .

والثالث : هم كل من له أمان بذمة أو عهد فيجب في قتله الدية والكفارة ، وهو قول الشافعي .

ثم قال تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } فيه قولان :

أحدهما : أن الصوم بدل من الرقبة وحدها إذا عدمها دون الدية ، وهذا قول الجمهور .

والثاني : أنه بدل من الرقبة والدية جميعاً عند عدمها ، وهذا قول مسروق .


[690]:- ق: أبى ذر قتل..
[691]:- مسلم وأبو داود وابن ماجه ومسند أحمد 4/ 439، 5/ 207.
[692]:- أي على عاقلة القاتل وهم أقاربه العصبة من الرجال البالغين وإنما وجبت عليهم الدية كنوع من المواساة والتعاون.
[693]:- ق: فيتقوا بها.
[694]:- سقطت من ك.
[695]:- في ك: فيها.
[696]:- سقطت من ك.
[697]:- سقطت من ك.