فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـٔٗاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوّٖ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ فَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (92)

وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما( 92 ) .

في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ' لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك( {[1492]} ) لدينه المفارق للجماعة " وفيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " ( {[1493]} ) ، وفيهما عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع : " استنصت الناس " فقال : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " وهكذا ينفر صلى الله عليه وسلم من قتل المسلم خشية أن يصل القاتل إلى النار مأوى أهل الكفر ، أو يستحل قتل المؤمن فيصبح بذلك كافرا ؛ ويحذرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام من كل ما يفضي إلى تلك البلية المهلكة بلية القتل ، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يشير( {[1494]} ) أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار " ( {[1495]} ) ؛ { وما كان } نهي وتحريم ، كقوله سبحانه : ( . . وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله . . ) ( {[1496]} ) ؛ { إلا خطأ } قال سيبويه والزجاج- رحمهما الله- { إلا } بمعنى : لكن ، والتقدير : ما كان له أن يقتله البتة ، لكن إن قتله خطأ فعليه كذا ، ومن مجيء إلا بمعنى لكن : قوله تعالى : { . . ما لهم به من علم إلا اتباع الظن . . }- ووجوه الخطأ كثيرة . . . ، مثل أن يرمي صفوف المشركين فيصيب مسلما ، . . . ، أو يرمي إلى غرض فيصيب إنسانا ، . . . { فتحرير رقبة مؤمنة } أي : فعليه تحرير رقبة ؛ وهذه الكفارة التي أوجبها الله تعالى في كفارة القتل والظهار أيضا ، . . عن ابن عباس والحسن . . ، الرقبة المؤمنة هي التي صلت وعقلت الإيمان ، . . . ، { ودية مسلمة } الدية ما يعطى عوضا عن دم القتيل إلى وليه ؛ { مسلمة } مدفوعة مؤداة ، . . . ، وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الدية مائة من الإبل ، . . . ، واختلفوا فيما يجب على غير أهل الإبل ؛ فقالت طائفة : على أهل الذهب ألف دينار ، . . . ، وأما أهل الورق- الفضة- فاثنا عشر ألف درهم ، . . . . . ، ثبتت الأخبار عن النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة ؛ . . . ، { إلا أن يصدقوا } . . يعني : إلا أن يبرئ الأولياء ورثة ُ المقتول القاتلين مما أوجب الله لهم من الدية عليهم ؛ . . . ، وأما الكفارة التي هي لله تعالى فلا تسقط بإبرائهم ؛ . . . ، { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } . . . فإن كان هذا المقتول رجلا مؤمنا قد آمن وبقي في قوم وهم كفرة . . . فلا دية فيه ، وإنما كفارته تحرير الرقبة ، . . . ، { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } هذا في الذمي والمعاهد يُقتل خطأ فتجب الدية والكفارة ؛ . . . . ، وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل ؛ . . . ، { فمن لم يجد } أي الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها ؛ { فصيام شهرين } أي فعليه صيام شهرين{ متتابعين } حتى لو أفطر يوما استأنف ؛ هذا قول الجمهور ؛ . . . { توبة من الله } نصب على المصدر ، ومعناه : رجوعا ؛ وإنما مست حاجة المخطئ إلى التوبة لأنه لم يتحرز ، وكان من حقه أن يتحفظ ؛ . . . . ، { وكان الله } أي : في أزله وأبده { عليما } بجميع المعلومات { حكيما } فيما أحكم وأبرم-( {[1497]} ) .


[1492]:وفي اللؤلؤ والمرجان:" والمارق من الدين التارك للجماعة".
[1493]:ورواية أبي هريرة:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله".
[1494]:نهى بلفظ الخبر كقوله تعالى:( لا تضار والدة).
[1495]:قال القسطلاني ما حاصله: أي يقلعه من يده فيصيب به الآخر أو يشد يده فيصيبه، فيقع في معصية تفضي به إلى أن يقع في حفرة من النار يوم القيامة.
[1496]:سورة الأحزاب. من الآية 53.
[1497]:من الجامع لأحكام القرآن.