الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

قوله تعالى : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا ) : " الملأ " الأشراف ، والانطلاق الذهاب بسرعة ، أي انطلق هؤلاء الكافرون من عند الرسول عليه السلام يقول بعضهم لبعض : " أن امشوا " أي امضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه . " واصبروا على آلهتكم " وقيل : هو إشارة إلى مشيهم إلى أبي طالب في مرضه كما سبق . وفي رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام ، وشيبة وعتبة أبناء ربيعة بن عبد شمس ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، وأبو معيط ، وجاؤوا إلى أبي طالب فقالوا : أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا ، فاكفنا أمر ابن أخيك وسفهاء معه ، فقد تركوا ألهتنا وطعنوا في ديننا ، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : إن قومك يدعونك إلى السواء والنصفة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أدعوهم إلى كلمة واحدة ) فقال أبو جهل وعشرا . قال : ( تقولون لا إله إلا الله ) فقاموا وقالوا : " أجعل الآلهة إلها واحد " الآيات . " أن امشوا " " أن " في موضع نصب والمعنى بأن امشوا . وقيل : " أن " بمعنى أي ؛ أي " وانطلق الملأ منهم " أي أمشوا ؛ وهذا تفسير انطلاقهم لا أنهم تكلموا بهذا اللفظ . وقيل : المعنى انطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام : " امشوا واصبروا على آلهتكم " أي على عبادة آلهتكم . " إن هذا " أي هذا الذي جاء به محمد عليه السلام " لشيء يراد " أي يراد بأهل الأرض من زوال نعم قوم وغِيَر تنزل بهم . وقيل : " إن هذا لشيء يراد " كلمة تحذير ، أي إنما يريد محمد بما يقول الانقياد له ليعلو علينا ، ونكون له أتباعا فيتحكم فينا بما يريد ، فاحذروا أن تطيعوه . وقال مقاتل : إن عمر لما أسلم وقوي به الإسلام شق ذلك على قريش فقالوا : إن إسلام عمر في قوة الإسلام لشيء يراد .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

{ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا } : انطلاق الملأ عبارة عن خروجهم عن أبي طالب وقيل : عبارة عن تفرقتهم في طرق مكة وإشاعتهم للكفر ، وأن امشوا : معناه يقول بعضهم لبعض امشوا واصبروا على عبادة آلهتكم ولا تطيعوا محمدا فيما يدعو إليه من عبادة الله وحده .

{ إن هذا لشيء يراد } هذا أيضا مما حكى الله من كلام قريش وفي معناه وجهان : أحدهما : أن الإشارة إلى الإسلام والتوحيد أي إن هذا التوحيد شيء يراد منا الانقياد إليه .

والآخر : أن الإشارة إلى الشرك والصبر على آلهتهم أي إن هذا لشيء ينبغي أن يراد ويتمسك به أو أن هذا شيء يريده الله منا لما قضى علينا به والأول أرجح لأن الإشارة فيما بعد ذلك إليه فيكون الكلام على نسق واحد .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

ولما كان العجب فكيف بالعجاب جديراً بأن يلزم صاحبه ليزداد الناظر عجباً ، بين أنهم فعلوا خلاف ذلك تصديقاً لمن نسبهم إليه من الشقاق فقال : { وانطلق } ولما كان ما فعلوه لا يفعله عاقل ، فربما ظن السامع أن المنطلق منهم أسقاط من الناس من غيرهم قال : { الملأ } أي الأشراف ، وقال : { منهم } أي لا من غيرهم فكيف بالأسقاط منهم وكيف بغيرهم ، ثم حقق الانطلاق مضمناً له القول لأنه من لوازمه بقوله : { أن امشوا } أي قائلاً كل منهم لذلك آمراً لنفسه ولصاحبه بالجد في المفارقة حالاً ومقالاً ، وإذا وقف على " أن " ابتدئ بكسر الهمزة لأن أصله : امشيوا فالثالث مكسور كما أنه لو قيل لأمرأة : اغزي يبتدأ بالضم لأن الأصل : اغزوي كاخرجي { واصبروا على آلهتكم } أي لزوم عبادتها وعدم الالتفات إلى ما سواها ، قال القشيري : وإذا تواصى الكفار فيما بينهم بالصبر على آلهتهم فالمؤمنون أولى بالصبر على عبادة معبودهم والاستقامة في دينهم .

ولما كان كل منهم قد أخذ ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قلبه وسلب لبه ، على ما أشار إليه " ذي الذكر بل " فهو خائف من صاحبه أن يكون قد استحال عن اعتقاد التعدد بما يعرف من تزحزحه في نفسه ، أكدوا قولهم : { إن هذا } أي الصبر على عبادة الآلهة { لشيء يراد } أي هو أهل للإرادة فهو أهل لئلا ينفك عنه ، أو الذي يدعو إليه شيء يريده هو ولا نعلم نحن ما هو على ما نحن عليه من الحذق ، فهو شيء لا يعلم في نفسه .