الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (6)

قوله تعالى : { يومئذ يصدر الناس أشتاتا } أي فرقا ، جمع شت . قيل : عن موقف الحساب ، فريق يأخذ جهة اليمين إلى الجنة ، وفريق آخر يأخذ جهة الشمال إلى النار ، كما قال تعالى : { يومئذ يتفرقون }{[16274]} [ الروم : 14 ] { يومئذ يصدعون }{[16275]} [ الروم : 43 ] . وقيل : يرجعون عن الحساب بعد فراغهم من الحساب . { أشتاتا } يعني فرقا فرقا . { ليروا أعمالهم } يعني ثواب أعمالهم . وهذا كما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : " ما من أحد يوم القيامة إلا ويلوم نفسه ، فإن كان محسنا فيقول : لم لا ازددت إحسانا ؟ وإن كان غير ذلك يقول : لم لا نزعت عن المعاصي " ؟ وهذا عند معاينة الثواب والعقاب . وكان ابن عباس يقول : { أشتاتا } متفرقين على قدر أعمالهم : أهل الإيمان على حدة ، وأهل كل دين على حدة . وقيل : هذا الصدور إنما هو عند النشور ، يصدرون أشتاتا من القبور ، فيصار بهم إلى موقف الحساب ليروا أعمالهم في كتبهم ، أو ليروا جزاء أعمالهم ، فكأنهم وردوا القبور فدفنوا فيها ، ثم صدروا عنها . والوارد : الجائي ، والصادر : المنصرف . { أشتاتا } أي يبعثون من أقطار الأرض . وعلى القول الأول فيه تقديم وتأخير ، مجازه : تحدث أخبارها ، بأن ربك أوحى لها ، ليروا أعمالهم . واعترض قوله { يومئذ يصدر الناس أشتاتا } متفرقين عن موقف الحساب . وقراءة العامة " ليروا " بضم الياء ، أي ليريهم اللّه أعمالهم . وقرأ الحسن والزهري وقتادة والأعرج ونصر بن عاصم وطلحة بفتحها ، وروي ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم .


[16274]:آية 14 سورة الروم.
[16275]:آية 43 سورة الروم.