الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَشَهِيقٌ} (106)

قوله تعالى : " فأما الذين شقوا " ابتداء . " ففي النار " في موضع الخبر ، وكذا " لهم فيها زفير وشهيق " قال أبو العالية : الزفير من الصدر . والشهيق من الحلق ، وعنه أيضا ضد ذلك . وقال الزجاج : الزفير من شدة الأنين ، والشهيق من الأنين المرتفع جدا ، قال : وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوت الحمار في الشهيق . وقال ابن عباس رضي الله عنه عكسه ، قال : الزفير الصوت الشديد ، والشهيق الصوت الضعيف . وقال الضحاك ومقاتل : الزفير مثل أول نهيق الحمار ، والشهيق مثل آخره حين فرغ من صوته ، قال الشاعر{[8856]} :

حَشْرَجَ في الجوف{[8857]} سَحِيلاً أو شَهَقْ*** حتى يُقَالَ ناهِقٌ وما نَهَقْ

وقيل : الزفير إخراج النفس ، وهو أن يمتلئ الجوف غما فيخرج بالنفس ، والشهيق رد النفس وقيل : الزفير ترديد النفس من شدة الحزن ، مأخوذ من الزَّفْر وهو الحمل على الظهر لشدته ، والشهيق النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ، أي طويل{[8858]} . والزفير والشهيق من أصوات المحزونين .


[8856]:هو العجاج والبيت من قصيدة له يصف فيها المفازة مطلعها: وقاتم الأعماق خاوي المخترق *** مشتبه الأعلام لماع الخفق
[8857]:في ع: في الصدر، والسحيل: الصوت الذي يدور في صدر الحمار.
[8858]:قال في النهاية: شاهق عال.