الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ} (20)

" وجعلنا لكم فيها معايش " يعني المطاعم والمشارب التي يعيشون بها ؛ واحدها معيشة ( بسكون الياء ) . ومنه قول جرير :

تكلفني مَعِيشة آل زيد *** ومن لي بالمرقَّق والصِّنَابِ{[9627]}

والأصل معيشة على مفعلة ( بتحريك الياء ) . وقد تقدم في الأعراف{[9628]} . وقيل : إنها الملابس ، قاله الحسن . وقيل : إنها التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة . قال الماوردي : وهو الظاهر . " ومن لستم له برازقين " يريد الدواب والأنعام ، قاله مجاهد . وعنده أيضا هم العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم : " نحن نرزقهم وإياكم{[9629]} " [ الإسراء : 31 ] ولفظ " من " يجوز أن يتناول العبيد والدواب إذا اجتمعوا ؛ لأنه إذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل ، غلب من يعقل . أي جعلنا لكم فيها معايش وعبيدا وإماء ودواب وأولادا نرزقهم ولا ترزقونهم . ف " من " على هذا التأويل في موضع نصب ، قال معناه مجاهد وغيره . وقيل : أراد به الوحش . قال سعيد : قرأ علينا منصور " ومن لستم له برازقين " قال : الوحش . ف " من " على هذا تكون لما لا يعقل ، مثل " فمنهم من يمشي على بطنه{[9630]} " [ النور : 45 ] الآية . وهي في محل خفض عطفا على الكاف والميم في قوله : " لكم " . وفيه قبح عند البصريين ، فإنه لا يجوز عندهم عطف الظاهر على المضمر إلا بإعادة حرف الجر ، مثل مررت به وبزيد . ولا يجوز مررت به وزيد إلا في الشعر . كما قال :

فاليوم قَرَّبت تهجونا وتشتمنا *** فاذهب فما بك والأيامِ من عَجَبِ

وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " {[9631]} وسورة " النساء{[9632]} " .


[9627]:الرقاق الأرغفة الرقيقة الواسعة والخردل المضروب بالزبيب يؤتدم به.
[9628]:راجع ج 7 ص 167.
[9629]:راجع ج 10 ص 252.
[9630]:راجع ج 12 ص 291.
[9631]:راجع ج 12 ص 291.
[9632]:راجع ج 1 ص 300.