الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

قوله تعالى : " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة " الخطاب لكل عاقل أي " ومن آياته " الدالة على أنه يحيي الموتى " أنك ترى الأرض خاشعة " أي يابسة جدبة ، هذا وصف الأرض بالخشوع . قال النابغة :

رمادٌ ككُحْلِ العين لأْيًا أُبَيِّنُهُ *** ونُؤْيٌ كَجِذْمِ الحَوْضِ أثْلَمُ خَاشِعُ{[13444]}

والأرض الخاشعة : الغبراء التي تنبت . وبلدة خاشعة : أي مغبرة لا منزل بها . ومكان خاشع . " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت " أي بالنبات ؛ قال مجاهد . يقال : اهتز الإنسان أي تحرك . ومنه :

تراه كَنَصْلِ السيف يَهْتَزُّ للنَّدَى *** إذا لم تَجِدْ عندَ امْرِئِ السَّوْءِ مَطْمَعَا

" وربت " أي انتفخت وعلت قبل أن تنبت . قاله مجاهد . أي تصعدت عن النبات بعد موتها . وعلى هذا التقدير يكون في الكلام تقديم وتأخير وتقديره : ربت واهتزت . والاهتزاز والربو قد يكونان قبل الخروج من الأرض ، وقد يكونان بعد خروج النبات إلى وجه الأرض ، فربوها ارتفاعها . ويقال للموضع المرتفع : ربوة ورابية ، فالنبات يتحرك للبروز ثم يزداد في جسمه بالكبر طولا وعرضا . وقرأ أبو جعفر وخالد " وربأت " ومعناه عظمت من الربيئة . وقيل : " اهتزت " أي استبشرت بالمطر " وربت " أي انتفخت بالنبات . والأرض إذا انشقت بالنبات : وصفت بالضحك ، فيجوز وصفها بالاستبشار أيضا . ويجوز أن يقال الربو والاهتزاز واحد ، وهي حالة خروج النبات . وقد مضى هذا المعنى في " الحج " {[13445]} " إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير " تقدم في غير موضع{[13446]} .


[13444]:شبه الرماد بكحل العين لسواده، فإنه يسودّ متى تقادم عهده وأصابته الأمطار. والنؤي حفير حول الخيمة. والجذم الأصل. وأثلم مهدوم. وخاشع تداعت آثاره واستوى بالأرض. يريد أن ذلك الرماد تغير ولم أتبينه إلا بعد لأي، أي بعد جهد ومشقة.
[13445]:راجع ج 12 ص 13 طبعة أولى أو ثانية.
[13446]:راجع ج 14 ص 45 طبعة أولى أو ثانية.