فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

{ وَمِنْ آَيَاتِهِ } الدالة على قدرته ووحدانيته { أَنَّكَ } الخطاب لكل من يصلح له ، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم { تَرَى الْأَرْضَ } أي بعضها بحاسة البصر ، وبعضها بعين البصيرة ، قياسا على ما أبصرت { خَاشِعَةً } يابسة لا نبات فيها ، متطامنة ، وهي أنسب بلفظ خاشعة ، والخاشعة اليابسة الجدبة الجامدة ، وقيل : الغبراء التي لا تنبت ، قال الأزهري . إذا يبست الأرض ولم تمطر ، قيل : قد خشعت والخشوع التذلل والتقاصر ، فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها ، كما وصفها بالهمود في قوله تعالى { وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً } وهو خلاف وصفها بالاهتزاز والربو كما قال : { فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ } أي ماء المطر أو غيره { اهْتَزَّتْ } تحركت بالنبات حركة عظيمة كثيرة سريعة فكان كمن يعالج بنفسه ، يقال اهتز الإنسان إذا تحرك .

{ وَرَبَتْ } انتفخت وعلت قبل أن تنبت ، قاله مجاهد وغيره أي تصدعت عن النبات بعد موتها ، وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره : ربت واهتزت وقيل : الاهتزاز والربو قد يكونان قبل خروج النبات من الأرض وقد يكونان بعده ، ومعنى الربو لغة الارتفاع . كما يقال للموضع المرتفع : ربوة ورابية فالنبات يتحرك للبروز ثم يزداد في جسمه بالكبر طولا وعرضا .

وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في سورة الحج ، وقيل اهتزت استبشرت بالمطر وربت انتفخت بالنبات ، وقيل تشققت فارتفع ترابها . وخرج منها النبات وسما في الجو مغطيا لوجهها ، وتشعبت عروقه وغلظت سوقه ، فصار يمنع سلوكها على ما كانت فيه من السهولة ، وتزخرفت بذلك النبات كأنها بمنزلة المختال في زيه . لما كانت قبل ذلك كالذليل ، وقرأ أبو جعفر وخالد ربأت { إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى } بالبعث والنشور { إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء كائنا ما كان .