قوله تعالى : " إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد " أي نحن أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان ، وهما الملكان الموكلان به ، أي نحن أعلم بأحواله فلا نحتاج إلى ملك يخبر ، ولكنهما وكلا به إلزاما للحجة ، وتوكيدا للأمر عليه . وقال الحسن ومجاهد وقتادة : " المتلقيان " ملكان يتلقيان عملك : أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكب سيئاتك . قال الحسن : حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة : " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا{[14158]} " [ الإسراء : 14 ] عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك . وقال مجاهد : وكل الله بالإنسان مع علمه بأحوال ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ، ويكتبان أثره إلزاما للحجة : أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات ، والآخر عن شماله يكتب السيئات ، فذلك قوله تعالى : " عن اليمين وعن الشمال قعيد " . وقال سفيان : بلغني أن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا أذنب العبد قال لا تعجل لعله يستغفر الله . وروي معناه من حديث أبي أمامة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر ) . وروي من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مقعد ملكيك على ثَنِيَّتِك{[14159]} ، لسانك قلمهما وريقك مدادهما ، وأنت تجري فيما لا يعنيك فلا تستحي من الله ولا منهما ) . وقال الضحاك : مجلسهما تحت الثغر . على الحنك . ورواه عوف عن الحسن قال : وكان الحسن يعجبه أن ينظف عَنْفَقَتَهُ . وإنما قال : " قعيد " ولم يقل قعيدان وهما اثنان ؛ لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه . قاله سيبويه ، ومنه قول الشاعر{[14160]} :
نحن بما عندنا وأنت بما*** عندك راضٍ والرأيُ مختلف
إني ضَمِنْتُ لمن أتاني ما جَنَى *** وأَبَى فكان وكنتُ غيرَ غَدُورِ
ولم يقل راضيان ولا غدورين . ومذهب المبرد : أن الذي في التلاوة أول أخر اتساعا ، وحذف الثاني لدلالة الأول عليه . ومذهب الأخفش والفراء : أن الذي في التلاوة يؤدي عن الاثنين والجمع ولا حذف في الكلام . و " قعيد " بمعنى قاعد كالسميع والعليم والقدير والشهيد . وقيل : " قعيد " بمعنى مقاعد مثل أكيل ونديم بمعنى مؤاكل ومنادم .
وقال الجوهري : فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ، كقوله تعالى : " إنا رسول رب العالمين{[14161]} " [ الشعراء : 16 ] وقوله : " والملائكة بعد ذلك ظهير{[14162]} " [ التحريم : 4 ] . وقال الشاعر في الجمع ، أنشده الثعلبي :
أَلِكْنِي إليها وخيرُ الرسو *** ل أعلمُهم بنواحي الخَبَرْ{[14163]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.