وهي مكية في قول يحيي بن سلام ، ومدنية في قول ابن عباس والجمهور . وهي تسع{[1]} آيات .
وقد جاء في فضلها حديث لا يصح ، رويناه عن محمد بن محمد بن عبد اللّه الحضرمي قال : قال لي أبو عبد الرحمن بن نمير : اذهب إلى أبي الهيثم الخشاب ، فاكتب عنه فإنه قد كتب ، فذهب إليه ، فقال : حدثنا مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه : " لو يعلم الناس ما في { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب } لعطلوا الأهل والمال ، فتعلموها " فقال رجل من خزاعة : وما فيها من الأجر يا رسول اللّه ؟ قال : " لا يقرؤها منافق أبدا ، ولا عبد في قلبه شك في اللّه . واللّه إن الملائكة المقربين يقرؤونها منذ{[2]} خلق اللّه السموات والأرض ما يفترون من قراءتها . وما من عبد يقرؤها إلا بعث اللّه إليه ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه ، ويدعون له بالمغفرة والرحمة " . قال الحضرمي : فجئت إلى أبي عبد الرحمن بن نمير ، فألقيت هذا الحديث عليه ، فقال : هذا قد كفانا مؤونته ، فلا تعد إليه . قال ابن العربي : " روى إسحاق بن بشر الكاهلي عن مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في ( لم يكن الذين كفروا ) لعطلوا الأهل والمال ولتعلموها{[3]} ) . حديث باطل ، وإنما الحديث الصحيح ما روي عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بن كعب : " إن اللّه أمرني أن اقرأ عليك " لم يكن الذين كفروا " قال : وسماني لك ؟ قال : " نعم " ، فبكى " .
قلت : خرجه البخاري ومسلم . وفيه من الفقه قراءة العالم على المتعلم . قال بعضهم : إنما قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم على أبيّ ، ليعلم الناس التواضع ؛ لئلا يأنف أحد من التعلم والقراءة على من دونه في المنزلة . وقيل : لأن أبيا كان أسرع أخذا لألفاظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأراد بقراءته عليه ، أن يأخذ ألفاظه ويقرأ كما سمع منه ، ويعلم غيره . وفيه فضيلة عظيمة لأبيّ ؛ إذ أمر اللّه رسوله أن يقرأ عليه . قال أبو بكر الأنباري : وحدثنا أحمد بن الهيثم بن خالد ، قال حدثنا علي بن الجعد ، قال حدثنا عكرمة عن عاصم عن زر بن حبيش قال في قراءة أبيّ بن كعب : ابن آدم لو أعطي واديا من مال لالتمس ثانيا ، ولو أعطي واديين من مال لا لتمس ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب اللّه على من تاب . قال عكرمة . قرأ علي عاصم " لم يكن " ثلاثين آية ، هذا فيها . قال أبو بكر : هذا باطل عند أهل العلم ، لأن قراءتي ابن كثير وأبي عمرو متصلتان بأبيّ بن كعب ، لا يقرأ فيها هذا المذكور في " لم يكن " مما هو معروف في حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، على أنه من كلام الرسول عليه السلام ، لا يحكيه عن رب العالمين في القرآن . وما رواه اثنان معهما الإجماع أثبت مما يحكيه واحد مخالف مذهب الجماعة .
قوله تعالى : { لم يكن الذين كفروا } كذا قراءة العامة ، وخط المصحف . وقرأ ابن مسعود " لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين " وهذه قراءة على التفسير . قال ابن العربي : " وهي جائزة في معرض البيان لا في معرض التلاوة ، فقد قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم في رواية الصحيح " فطلقوهن لقبل عدتهن " وهو تفسير ، فإن التلاوة : هو ما كان في خط المصحف " .
قوله تعالى : { من أهل الكتاب } يعني اليهود والنصارى { والمشركين } في موضع جر عطفا على { أهل الكتاب } . قال ابن عباس { أهل الكتاب } : اليهود الذين كانوا بيثرب ، وهم قريظة والنضير وبنو قينقاع . والمشركون : الذين كانوا بمكة وحولها ، والمدينة والذين حولها ، وهم مشركو قريش . { منفكين } أي منتهين عن كفرهم ، مائلين عنه . { حتى تأتيهم البينة } أي أتتهم البينة ، أي محمد صلى اللّه عليه وسلم . وقيل : الانتهاء بلوغ الغاية ، أي لم يكونوا ليبلغوا نهاية أعمارهم فيموتوا ، حتى تأتيهم البينة . فالانفكاك على هذا بمعنى الانتهاء . وقيل : { منفكين } زائلين ، أي لم تكن مدتهم لتزول حتى يأتيهم رسول . والعرب تقول : ما انفككت أفعل كذا ، أي ما زلت . وما انفك فلان قائما ، أي ما زال قائما . وأصل الفك : الفتح ، ومنه فك الكتاب ، وفك الخلخال ، وفك السالم{[16251]} . قال طرفة :
فآليتُ لا ينفكُّ كَشْحِي بطانةً *** لِعَضْبٍ رقيق الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ{[16252]}
حَرَاجِيجُ ما تنفكُّ إلا مُنَاخَةً *** على الخَسْفِ أو نرمي بها بلداً قَفْرَا{[16253]}
يريد : ما تنفك مناخة ، فزاد " إلا " . وقيل : " منفكين " : بارحين ، أي لم يكونوا ليبرحوا ويفارقوا الدنيا ، حتى تأتيهم البينة . وقال ابن كيسان : أي لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم في كتابهم ، حتى بعث ، فلما بعث حسدوه وجحدوه . وهو كقوله : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به }{[16254]} [ البقرة : 89 ] . ولهذا قال : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب } [ البينة : 4 ] . . . الآية . وعلى هذا { والمشركين } أي ما كانوا يسيئون القول في محمد صلى اللّه عليه وسلم ، حتى بعث ، فإنهم كانوا يسمونه : الأمين ، حتى أتتهم البينة على لسانه ، وبعث إليهم ، فحينئذ عادوه . وقال بعض اللغويين : " منفكين " هالكين من قولهم : انفك صلا{[16255]} المرأة عند الولادة ، وهو أن ينفصل ، فلا يلتئم فتهلك ، المعنى : لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم ، بإرسال الرسل وإنزال الكتب . وقال قوم في المشركين : إنهم من أهل الكتاب ، فمن اليهود من قال : عزير ابن اللّه . ومن النصارى من قال : عيسى هو اللّه . ومنهم من قال : هو ابنه . ومنهم من قال : ثالث ثلاثة . وقيل : أهل الكتاب كانوا مؤمنين ، ثم كفروا بعد أنبيائهم . والمشركون ولدوا على الفطرة ، فكفروا حين بلغوا . فلهذا قال : " والمشركين " . وقيل : المشركون وصف أهل الكتاب أيضا ، لأنهم لم ينتفعوا بكتابهم ، وتركوا التوحيد . فالنصارى مثلثة ، وعامة اليهود مشبهة ، والكل شرك . وهو كقولك : جاءني العقلاء والظرفاء ، وأنت تريد أقواما بأعيانهم ، تصفهم بالأمرين . فالمعنى : من أهل الكتاب المشركين . وقيل : إن الكفر هنا هو الكفر بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، أي لم يكن الذين كفروا بمحمد من اليهود والنصارى ، الذين هم أهل الكتاب ، ولم يكن المشركون ، الذين هم عبدة الأوثان من العرب وغيرهم - وهم الذين ليس لهم كتاب - منفكين . قال القشيري : وفيه بعد ؛ لأن الظاهر من { حتى تأتيهم البينة . رسول من اللّه } أن هذا الرسول هو محمد صلى اللّه عليه وسلم . فيبعد أن يقال : لم يكن الذين كفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم منفكين حتى يأتيهم محمد ، إلا أن يقال : أراد : لم يكن الذين كفروا الآن بمحمد - وإن كانوا من قبل معظمين له - بمنتهين عن هذا الكفر ، إلى أن يبعث اللّه محمدا إليهم ، ويبين لهم الآيات ، فحينئذ يؤمن قوم . وقرأ الأعمش وإبراهيم " والمشركون " رفعا ، عطفا على " الذين " . والقراءة الأولى أبين ؛ لأن الرفع يصير فيه الصنفان كأنهم من غير أهل الكتاب . وفي حرف أبيّ : " فما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون منفكين " . وفي مصحف ابن مسعود : " لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين " . وقد تقدم . { حتى تأتيهم البينة } قيل حتى أتتهم . والبينة : محمد صلى اللّه عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.