الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : { وما أمروا } أي وما أمر هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل { إلا ليعبدوا الله } أي ليوحدوه . واللام في { ليعبدوا } بمعنى " أن " ، كقوله : { يريد الله ليبين{[16262]} لكم } [ النساء : 26 ] أي أن يبين . و{ يريدون ليطفئوا نور الله }{[16263]} [ الصف : 8 ] . و{ أمرنا لنسلم لرب العالمين }{[16264]} [ الأنعام : 71 ] . وفي حرف عبد الله : " وما أمروا إلا أن يعبدوا اللّه " . { مخلصين له الدين } أي العبادة ، ومنه قوله تعالى : { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين }{[16265]} [ الزمر : 11 ] . وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات ، فإن الإخلاص من عمل القلب ، وهو الذي يراد به وجه اللّه تعالى لا غيره .

الثانية- قوله تعالى : { حنفاء } أي مائلين عن الأديان كلها ، إلى دين الإسلام ، وكان ابن عباس يقول : حنفاء : على دين إبراهيم عليه السلام . وقيل : الحنيف : من اختتن وحج . قاله سعيد بن جبير . قال أهل اللغة : وأصله أنه تحنف إلى الإسلام ، أي مال إليه .

الثالثة- { ويقيموا الصلاة } أي بحدودها في أوقاتها . { ويؤتوا الزكاة } أي يعطوها عند محلها . { وذلك دين القيمة } أي ذلك الدين الذي أمروا به دين القيامة ، أي الدين المستقيم . وقال الزجاج : أي ذلك دين الملة المستقيمة . و{ القيمة } : نعت لموصوف محذوف . أو يقال : دين الأمة القيمة بالحق ، أي القائمة بالحق . وفي حرف عبد الله " وذلك الدين القيم " . قال الخليل : " القيمة " جمع القيم ، والقيم والقائم : واحد . وقال الفراء : أضاف الدين إلى القيمة وهو نعته ، لاختلاف اللفظين . وعنه أيضا : هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ، ودخلت الهاء للمدح والمبالغة . وقيل : الهاء راجعة إلى الملة أو الشريعة . وقال محمد بن الأشعث ، الطالقاني : " القيمة " ها هنا : الكتب التي جرى ذكرها ، والدين مضاف إليها .


[16262]:آية 26 سورة النساء.
[16263]:آية 8 سورة الصف.
[16264]:آية 7 سورة الأنعام.
[16265]:آية 11 سورة الزمر.