لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

سماع بسم الله الرحمان الرحيم شراب يسقي به الحق – سبحانه وتعالى – قلوب أحبائه ، فإذا شربوا طربوا ، وإذا طربوا انبسطوا ، ثم لشهود حقه تعرضوا ، وبنسيم قربه استأنسوا ، وعند الإحساس بهم غابوا . . فعقولهم تستغرق في لطفه ، وقلوبهم تستهلك في كشفه .

قوله جلّ ذكره : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } .

التسبيحُ التقديسُ والتنزيه ، ويكون بمعنى سباحة الأسرار في بحار الإجلال ، فيظفرون بجواهر التوحيد ويَنْظِمونها في عقود الإيمان ، ويُرَصِّعونها في أطواق الوصلة :

وقله { مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } المرادُ به " من " في السماوات والأرض ، يسجدون لله طوعاً وكرهاً ؛ طوعاً تسبيحَ طاعةٍ وعبادة ، وكرهاً تسبيح علامة ودلالة .

وتُحْملُ " ما " على ظاهرها فيكون المعنى : ما من مخلوقٍ من عينٍ أو أَثَرِ إلا ويَدُلُّ على الصانع ، وعلى إثبات جلاله ، وعلى استحقاقه لنعوت كبريائه .

ويقال : يُسبح لله ما في السماوات والأرض ، كلٌّ واقفٌ على الباب بشاهدِ الطّلَبِ . . . ولكنه - سبحانه عزيزٌ .

ويقال : ما تَقَلّب أحدُ من جاحدٍ أو ساجدٍ إلا في قبضة العزيز الواحد ، فما يُصَرِّفهم إلا مَنْ خَلَقَهم ؛ فمِنْ مُطيعٍ أَلْبَسَه نطاق وفاقه - وذلك فَضْلُه ، ومِنْ عاصٍ رَبَطَه بمثقلة الخذلان - وذلك عَدْلُه .

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } : العزيز : المُعِزُّ لِمَنْ طَلَبَ الوصول ، بل العزيز : المتقدِّسُ عن كل وصول . . فما وَصَلَ مَنْ وَصَلَ إلا حظِّه ونصيبه وصفته على ما يليق به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية وقيل مكية وآياتها تسع وعشرون . وقد جاءت متضمنة كثيرا من مختلف المعاني والأخبار والحجج . منها التأكيد على وحدانية الله وجلال قدره وعظيم سلطانه وجبروته ، وأنه سبحانه { الأول والآخر والظاهر والباطن } لا جرم أن هذه الآية بعظيم مدلولها تذكّر بأن الله له ملكوت كل شيء وأن قدرته وعلمه وسلطانه محيط بكل شيء .

وفي السورة بيان بحال المؤمنين السعداء يوم القيامة ، وحال المنافقين المذعورين المستيئسين يومئذ ، وما يضربه الله بين الفريقين من سور فاصل بينهما ظاهره فيه الرحمة وباطنه يفضي إلى العذاب .

وفي السورة تحذير شديد للمؤمنين أن تقسو قلوبهم فيغشاها ركام من الزيغ والرّان والغفلة ، كما قست قلوب أهل الكتاب لما طال عليهم الأمد فبدّلوا كتاب الله تبديلا .

وفيها كذلك تحذير للمؤمنين من الاغترار بالدنيا كيلا تلهيهم وتزيغ بها قلوبهم ، وما الدنيا إلا سحابة غيم تمطر الزرع فينمو ويهيج ويعجب به الناس ثم يصفر ويذبل ثم يصير هشيما تدوسه الدواب والأنعام وتذروه الرياح السوافي .

وفي السورة تذكير بأهمية الحديد الذي سميت به السورة فمن الحديد تصنع آلالات الحرب ليرد بها المسلمون كيد المعتدين الظالمين بعد أن لم تفلح معهم أساليب الحكمة والموعظة والبرهان . إلى غير ذلك من جليل المعاني والمواعظ .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ سبّح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم 1 له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير 2 هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } .

ذلك إخبار من الله حق بأن الوجود كله وما فيه من أجسام وأجرام ونبات وحيوان ، يسبح بحمد ربه ولكن الناس لا يعلمون كيف يسبح . ذلك أن الله خالق كل شيء وأن قدرته وعلمه وسلطانه محيط بالكون كله .

فقال سبحانه : { سبّح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } كل شيء يسبح بحمد الله ولا نفقه كيف يسبح الخلق من غير بني آدم . وهو سبحانه العزيز ، أي القوي ، المنيع الجانب الذي لا يغلبه غالب ، المنتقم من المدبرين عن طاعته وعبادته . وهو سبحانه الحكيم ، في تدبيره وتقديره وشرعه وأمره كله .