لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (30)

ذكره عظيم مِنَّتِه عليه حيث خَلَّصَه من أعدائه حين خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ، وهمَّوا بقتله ، وحاولوا أن يمكروا به في السِّر ، فأعلمه الله ذلك .

والمكرُ إظهارُ الإحسانِ مع قَصْدِ الإساءةِ في السِّر ، والمكرُ من الله الجزاءُ على المكر ، ويكون المكرُ بهم أَنْ يُلْقِيَ في قلوبهم أنه مُحْسِنٌ إليهم ثم - في التحقيق - يُعذِّبهم ، وإذا شَغَلَ قوماً بالدنيا صَرَفَ همومَهم إليها حتى يَنْسَوْا أمر الآخرة ، وذلك مكرٌ بهم ، إذ يُوظِّنُون نفوسهم عليها ، فيتيح لهم من مأمنهِم سوءاً ، ويأخذهم بغتةً .

ومن جملة مكره اغترارُ قومٍ بما يرزقهم من الصيت الجميل بين الناس ، وإجراءِ كثير من الطعات عليهم ، فأسرارهم تكون بالأغيار منوطةً ، وهم عن الله غافلون ، وعند الناس أنهم مُكْرَمُون ، وفي معناه قيل :

وقد حسدوني في قرب داري منكم *** وكم من قريب الدار وهو بعيد